فصل
وفي الباب الثالث عشر من إنجيل يوحنا في أوله : أن المسيح قال رافعا عينيه إلى السماء : «يا أبتاه قد آن الوقت فشرّف ولدك لكيما يشرفك ولدك».
وبعده بيسير : أن المسيح قال لله : أنا شرفتك على الأرض.
قال أبو محمد : هذه مصيبة الدهر لم يقنعوا للمسيح ببنوّة الله حتى وصفوه بمساواته لله تعالى ، ثم لم يقنعوا بمساواته لله حتى قالوا : إن الله تعالى قد انعزل له عن الحكم ، وليس يحكم على أحد ، وأنه قد برئ بالملك والحكم كله إلى المسيح ، ثم لم يقنعوا له بالعزلة والخمول حتى جعلوا المسيح يشرف الله تعالى.
يا للناس!! هل سمعتم بأعظم من هذا الكفر؟ والله والله قطعا ما قال هذا الكلام قط مؤمن بالله تعالى أصلا ، وما كانوا إلّا دهرية مستخفين رقعاء ، فعليهم أضعاف كل لعنة لعنها الله تعالى سواهم من الكفرة.
قال أبو محمد : في إنجيل يوحنا : «أنّ المسيح قال : أنا أميت نفسي ، وأنا أحييها» ، فليت شعري!! كيف يمكن أن يحيي نفسه وهو ميت؟
قال أبو محمد : فهذه سبعون فصلا في أناجيلهم من كذب بحت ، ومناقضة لا حيلة فيها. ومنها فصول يجمع الفصل منها ثلاث كذبات فأقل أو أكثر ، على قلّة مقدار أناجيلهم. وجملة أمرهم في المسيح ـ عليهالسلام ـ أنه مرة بنص أناجيلهم : ابن الله ، ومرة هو ابن يوسف ، وابن داود ، وابن الإنسان ، ومرة هو إله يخلق ويرزق ، ومرة هو : خروف الله ، ومرة هو في الله ، والله فيه ، ومرة هو في تلاميذه ، وهم فيه ، ومرة : هو علم لله وقدرته ، ومرة لا يحكم على أحد ، ولا تنفذ إرادته ، ومرة هو : نبي وغلام. ومرة أسلمه الله إلى أعدائه. ومرة قد انعزل الله له عن الملك ، وتولّاه هو ، وصار يشرف الله تعالى ، ويعطي مفاتيح السماوات ، ومرة يولي أصحابه خطة التحريم والتحليل في السماوات والأرض. ومرة يجوع ويطلب ما يأكل ، ويعطش ويشرب ويعرق من الخوف ، ويلعن الشجرة إذا لم يجد فيها تينا يأكله ، ويفشل فيركب حمارة ، ويؤخذ ويلطم وجهه ، ويضرب رأسه بالقصبة ، ويبزق في وجهه ، ويضرب ظهره بالسياط ، وتمر به الشرط ، ويتهكمون به ، ويسقى الخل في الحنظل ، ويصلب بين سارقين ، وتسمّر يداه ، ومات في الساقة ودفن ثم يحيا بعد الموت ، ولم يكن له هم إذ حيي بعد الموت واجتمع بأصحابه إلا طلب ما يأكل فأطعموه الحوت المشوي ، وسقوه العسل ، ثم انطلق إلى شغله.