من نار جهنم بتسع وستين درجة ، وهكذا نشاهد من فعل الصواعق ، فإنها تبلغ من الإحراق والإذابة في مقدار اللمحة ما لا تبلغه نارنا في المدد الطوال ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ آخر أهل الجنة دخولا فيها بعد خروجه من النار يعطى مثل الدنيا عشر مرّات» (١). رويناه من طريق أبي سعيد الخدري مسندا وصحّ أيضا مسندا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنّ الدنيا في الآخرة كإصبع في اليمّ» (٢).
قال أبو محمد : وهذا إنما هو في نسبة المساحة لا في نسبة المدّة ، لأن مدّة الآخرة لا نهاية لها ، وما لا نهاية له فلا ينسب شيء منه البتة بوجه من الوجوه ، ولا هو أيضا نسبة من السرور واللّذة ، ولا الحزن والبلاء لأن سرور الدنيا مشوب بألم ومتناه ، وحزنها متناه منقض ، وسرور الآخرة وحزنها خالصان غير متناهيين. وهكذا قام البرهان من قبل روايتنا لنصب السماء أبدا على أنه لا نسبة للأرض عن السماء ولا قدر وقال عزوجل : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [سورة آل عمران : ١٣٣].
وقال تعالى : (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [سورة الحديد : ٢١].
وقال تعالى : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) [سورة الرحمن : ٥٤].
وذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ للجنة ثمانية أبواب» (٣).
وقال عليهالسلام : «فاسألوا الله الفردوس الأعلى ، فإنه وسط الجنة وأعلى
__________________
(١) رواه البخاري في الرقاق (باب ٥١ ، حديث ٦٥٧١) وفي التوحيد (باب ٣٦ ، حديث ٧٥١١) والترمذي في صفة جهنم (باب ١٠) وابن ماجة في الزهد (باب ٣٩ ، حديث ٤٣٣٩) عن ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا. رجل يخرج من النار كبوا ، فيقول الله : اذهب فادخل الجنة! فيأتيها ، فيخيّل إليه أنها ملأى فيأتيها فيرجع فيقول : يا ربّ وجدتها ملأى. فيقول : اذهب فادخل الجنة! فيخيّل إليه أنها ملأى فيأتيها فيرجع فيقول : يا ربّ وجدتها ملأى. فيقول : اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا ، فيقول : تسخر مني أو تضحك مني وأنت الملك؟».
(٢) رواه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (حديث ٥٥) والترمذي في الزهد (باب ١٥) وابن ماجة في الزهد (باب ٣) وأحمد في المسند (٤ / ٢٢٩ ، ٢٣٠) من حديث المستورد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليمّ ، فلينظر بم يرجع»
(٣) روى مسلم في الإيمان (حديث ٤٦) عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حقّ وأن النار حقّ ، أدخله الله من أيّ أبواب الجنة الثمانية شاء». وفي البخاري في صفة أبواب الجنة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «في الجنة ثمانية أبواب ، فيها باب يسمّى الرّيان لا يدخله إلا الصائمون».