قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : اعتمد أهل هذه المقالة على أن قالوا : إنّ علة فعل الباري تعالى لما فعل إنما هو : جوده ، وحكمته ، وقدرته ، وهو تعالى لم يزل جوادا حكيما قادرا. فالعالم لم يزل ، إذ علته لم تزل.
وهذا فاسد البتة بالأدلة التي قدمنا التي لا تضطر إلى المعرفة والتيقن بحدوث العالم.
ثم نقول : إنه إنما يلزم هذا من أقر بهذه المقدمة أعني أن للعالم علة ، وأما نحن فإنّا نقول : إنه لا علّة لتكوين الله عزوجل كلّ ما كوّنه ، وأنه لا شيء غير الخالق وخلقه ، ثم نقول على علم هؤلاء قولا كافيا إن شاء الله تعالى :
وهو أن المفعول (١) هو المتنقل من العدم إلى الوجود ، بمعنى من ليس ، إلى شيء ، فهذا هو المحدث.
ومعنى المحدث : هو ما لم يكن ثم كان.
وهم يقولون : إنه الذي لم يزل ، وهذا هو خلاف المعقول ، لأن الذي لم يكن ثم كان هو غير الذي لم يزل ، فالعالم إذن هو غير نفسه ، وهذا هو عين المحال ، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قال لنا قائل :
لما كان الباري تعالى غير فاعل على قولكم ثم صار فاعلا ، فقد لحقته استحالة ، وتعالى الله عن ذلك.
قلنا له وبالله التوفيق : هذا السؤال راجع عليكم إذ صححتموه فهو لكم لازم ، لا لنا لأنا لا نصححه ، وذلك أنه إن كان عندكم الفعل منه بعد أن كان غير فاعل يوجب الاستحالة على الفاعل تعالى ، فإنّ فعله لما أحدث من الأعراض عندكم بعد أن كان غير محدث لها ، وإعدامه ما أعدم منها بعد أن كان غير معدم لها موجب عليه الاستحالة.
فأجيبوا عن سؤالكم الذي صححتموه ، ولا جواب لكم إلا بإفساده.
وأمّا نحن فنقول : إنّ الاستحالة ليست ما ذكرتم. وإنما معنى الاستحالة : أنه
__________________
(١) المفعول هو الذي لا بدّ من وجود فاعل له يوقع الفعل عليه ، وهو المحدث كما سيأتي أو المخلوق.