هو صلة الضمير الذي هو النون والألف اللذان في «معنا» لا فيما نخبر به عن الله تعالى ، وهذا هو معنى قوله : «هو معهم أينما كانوا ، وهو معكم أينما كنتم».
وذهب قوم إلى أن الله تعالى في مكان دون مكان.
وقولهم هذا يفسد بما ذكرنا ، ولا فرق.
واحتجّ هؤلاء بقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [سورة طه : ٥].
قال أبو محمد : وقد تأوّل المسلمون في هذه الآية تأويلات أربعة.
أحدها : قول المجسمة ، وقد بان بحول الله فساده.
والثاني : قالت المعتزلة : هو أن معناه «استولى» وأنشدوا :
قد استوى بشر على العراق (١)
قال أبو محمد : وهذا فاسد لأنه لو كان كذلك لكان العرش أولى بالاستيلاء عليه من سائر المخلوقات. ولجاز لنا أن نقول : «الرحمن على الأرض استوى» لأنه تعالى مستول عليها ، وعلى كل ما خلق. وهذا لا يقوله أحد. فصار هذا القول دعوى مجرّدة بلا دليل فسقط.
وقال بعض أصحاب ابن كلاب : إن الاستواء صفة ذات ، ومعناه نفي الاعوجاج.
قال أبو محمد : وهذا القول في غاية الفساد لوجوه :
أحدها : أنه تعالى لم يسمّ نفسه مستويا ، ولا يحل لأحد أن يسمّي الله تعالى بما لم يسمّ به نفسه ، لأنه من فعل ذلك فقد ألحد في أسمائه أي مال عن الحق ، وقد حدّ الله تعالى في تسميته حدودا فقال تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [سورة الطلاق : ١].
وثانيها : أن الأمة مجمعة على أنه لا يدعو أحد يقول : «يا مستوي ارحمني» ، ولا يسمّي ابنه عبد المستوي.
وثالثها : أنه ليس كل ما نفي عن الله عزوجل وجب أن يوقع عليه ضده ، لأننا ننفي عن الله عزوجل السكون ، ولا يحل أن نسمي الله عزوجل متحركا ، وننفي عنه الحركة ، ولا يجوز أن يسمّى ساكنا ، وننفي عنه الخشم (٢) ولا يجوز أن يسمى شمّاما
__________________
(١) الرجز في لسان العرب (١٤ / ٤١٤ ـ مادة سوا) ورصف المباني (ص ٥٠٧) وبعده :
من غير سيف ودم مهراق
(٢) الخشم : داء يعتري الخيشوم فيفقده حاسّة الشم (المعجم الوسيط : ص ٢٣٦).