وكان كاتبا للحارث بن سريج التميمي (١) ، أيام قيامه على نصر بن سيّار (٢) ، أمير مرو بخراسان ، فظفر سلم بن أحوز (٣) بجهم في تلك الأيام فضرب عنقه (٤).
قال أبو محمد : ومعنى كل ما جاء في القرآن من الآيات التي ذكروا هو ما نبينه إن شاء الله تعالى بحوله عزوجل وقدرته ، وهو أنه لما أخبرنا الله عزوجل بأن أهل النار لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وأخبرنا عزوجل أنه يعلم متى تقوم الساعة ، وأخبرنا بما يقول أهل الجنة وأهل النار قبل أن يقولا ، وسائر ما في القرآن من الأخبار الصادقة عمّا لم يكن بعد ، علمنا بذلك أن علمه تعالى بالأشياء كلها متقدم لوجودها ولكونها ضرورة ، وعلمنا أن كلامه عزوجل لا يتناقض ولا يتدافع ، وأن المراد بقوله الله تعالى : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) [سورة محمد : ٣١] وسائر ما في القرآن من مثل هذا إنما هو على ظاهره دون تكلف تأويل ، بل هي على المعهود بيننا كقوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [سورة طه : ٤٤].
إنما هذا على حسب إدراك المخاطب ، ومعنى ذلك : حتى نعلم من يجاهد منكم مجاهدا ، ونعلم من يصير منكم صابرا ، وهذا لا يكون إلّا في حين جهادهم وحين صبرهم ، وأمّا قبل أن يجاهدوا ويصبروا فإنما علمهم غير مجاهدين وغير صابرين ، وأنهم سيجاهدون ويصبرون. فإذا جاهدوا علمهم حينئذ مجاهدين ، وإنما الزّمان في كل هذا للمعلوم ، وأمّا علمه تعالى ففي غير زمان وليس هاهنا تبدّل علم ، وإنما يتبدّل المعلوم فقط ، والعلم في كل ذلك لم يزل غير متبدّل.
فإن قالوا : متى علم الله زيدا ميتا؟ فإن قلتم لم يزل يعلمه ميتا ، وجب أنّ زيدا لم يزل ميتا ، وهذا محال. وإن قلتم لم يعلمه ميتا حتّى مات فهذا قولنا لا قولكم.
__________________
والكامل لابن الأثير (٥ / ٣٤٢) وتاريخ الطبري (٧ / ٢٢٠) وخطط المقريزي (٢ / ٢٤٩ و ٣٤١) وسير أعلام النبلاء (٦ / ٢٦) وميزان الاعتدال (١ / ٢٤٦) والملل والنحل (١ / ١٩٩).
(١) قتله نصر بن سيّار سنة ١٢٨ ه. انظر ترجمته في الأعلام (٢ / ١٥٥).
(٢) نصر بن سيار : صاحب خراسان ، ونائب مروان بن محمد. خرج عليه أبو مسلم صاحب الدعوة العباسية وحاربه ، فتقهقر نصر ، ثم توفي بساوة سنة ١٣١ ه. انظر ترجمته في تاريخ خليفة بن خياط (ص ٣٨٣ و ٣٨٨) والمحبّر (ص ٢٥٥) وتاريخ الإسلام للذهبي (٥ / ٣٠٨) وسير أعلام النبلاء (٥ / ٤٦٣) وخزانة الأدب (١ / ٣٢٦) وابن الأثير (٥ / ١٤٨).
(٣) انظر ترجمته في العبر للذهبي (١ / ٦٦).
(٤) قيل إنه قتله لإنكاره أن الله كلّم موسى. انظر سير أعلام النبلاء (٦ / ٢٧).