عنه العلم والجهل ، وأما الإنسان إذا ثبت له العلم بشيء ، وانتفى عنه العلم بشيء آخر فقد وجب ضرورة إثبات الجهل له بما لم يعلمه ، وهكذا في كل شيء ، فإذ قد صحّ هذا فالواجب النظر في إفساد احتجاجهم ، فأمّا قولهم : لو كان علم الله لم يزل ، وهو غير الله تعالى لكان ذلك شركا ـ فهو قول صحيح ، واعتراض لا يرد.
وأمّا قولهم : لو كان هو الله لكان الله علما ، فهذا لا يلزم على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى ، وجملة ذلك أننا لا نسمّي الله تعالى إلّا بما سمّى به نفسه ، ولم يسمّ نفسه علما ولا قدرة ، فلا يحل لأحد أن يسميه بذلك.
وأما قولهم : هل يفهم من قول القائل (الله) كالذي يفهم من قوله (عالم) فقط؟ أو يفهم من قوله (عالم) معنى غير ما يفهم من قوله (الله)؟.
فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : إننا لا نفهم من قولنا : قدير وعالم إذا أردنا بذلك الله عزوجل إلّا ما نفهم من قولنا الله فقط لأن كل ذلك أسماء أعلام لا مشتقة من صفة أصلا ، لكن إذا قلنا هو الله تعالى بكل شيء عليم ، ويعلم الغيب ، فإنما يفهم من كل ذلك أن هاهنا له تعالى معلومات ، وأنه لا يخفى عليه شيء ، ولا يفهم منه البتة أن له علما هو غيره ، وهكذا نقول في (قدير) وفي غير ذلك ، وأمّا قولهم إننا نقول : إنّ الله تعالى عالم بنفسه ولا نقول : إنه قادر على نفسه ، فقد كذب من قال ذلك وأفك بل كلّ ذلك سواء ، وهو تعالى قادر على نفسه كما هو عالم بها ولا فرق ، فإن كلمونا هاهنا أجبناهم ، وقد سقط عنا هذا السؤال جملة ، وقد تكلمنا على تفصيل هذا السؤال بعد هذا. ويلزمهم ضرورة إذ قالوا إنه تعالى غير قادر على نفسه أنه عاجز عن نفسه ، وإطلاق هذا كفر صريح.
وأمّا قولهم إنه قد يعلم الله قادرا من لم يعلم أنه عالم ، ويعلمه عالما من لا يعلمه قادرا فلا حجة في ذلك ، لأن جهل من جهل الحق ليس حجة على الخلق ، وقد نجد من يعلم الله عزوجل ويعتقد فيه أنه تعالى جسم ، فليست الظنون حجة في إبطال حق ، ولا تحقيق باطل ، فصحّ أن علم الله تعالى حق وقدرته حق وقوته حق ، وكل ذلك ليس هو غير الله تعالى ، ولا العلم غير القدرة ، ولا القدرة غير العلم ، إذ لم يأت دليل بغير هذا لا من نصّ ولا من سمع ، وبالله تعالى التوفيق.
وجهم بن صفوان (١) سمرقندي يكنى أبا محرز ، مولى لبني راسب من الأزد ،
__________________
(١) قتل سنة ١٢٨ ه. انظر ترجمته في تاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي (ص ١٠ وما بعدها)