ففاسدة كلها ، وسنوضح فسادها إن شاء الله تعالى في إفسادنا لقول الجهمية والأشعرية ، لأن هذه الاعتراضات من اعتراض هاتين الطائفتين ، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : احتج جهم بن صفوان بأن قال : لو كان علم الله تعالى لم يزل لكان لا يخلو من أن يكون هو الله تعالى أو غيره ، فإن كان علم الله تعالى غير الله وهو لم يزل ، فهذا تشريك لله تعالى ، وإيجاب الأزلية لغيره تعالى معه وهذا كفر ، وإن كان هو الله فالله علم وهذا إلحاد.
وقال : نسأل من أنكر أن يكون علم الله تعالى هو غيره ، فنقول : أخبرونا ، إذا قلنا الله ، ثم قلنا : إنه عليم فهل فهم من قولنا : «عليم» شيئا زائدا غير ما فهمتم من قولنا (الله) أم لا؟
فإن قلتم : لا. أحلتم.
وإن قلتم : نعم ، أثبتم معنى آخر هو غير الله ، وهو علمه ، وهكذا قالوا في (قدير) وفي (قوي) وفي سائر ما ادّعوا فيه الصفات.
وقال أيضا : إننا نقول إنّ الله تعالى عالم بنفسه ، ولا نقول قادر على نفسه فصح أن علمه تعالى غير قدرته ، وإذ هو غيرهما فهما غير الله تعالى ، وقد يعلم الله تعالى قادرا من لا يعلمه عالما ، ويعلمه عالما من لا يعلمه قادرا ، فصح أن كلّ ذلك معان متغايرة.
واحتج بهذا كله أيضا من رأى أن علم الله تعالى لم يزل ، وأنه مع ذلك غير الله تعالى ، وأنه غير قدرته أيضا ، واحتج بآيات من القرآن مثل قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [سورة محمد : ٣١].
ومثل هذه.
قال أبو محمد : من قال بحدوث العلم فإنه قول عظيم جدّا لأنه نصّ بأن الله تعالى لم يعلم الأشياء حتى أحدث لنفسه علما ، وإذا ثبت أن الله تعالى يعلم الآن الأشياء فقد انتفى عنه الجهل يقينا ، فلو كان يوما من الدّهر لا يعلم شيئا مما يكون فقد ثبت له الجهل به ولا بد من هذا ضرورة ، وإثبات الجهل لله تعالى كفر بلا خلاف ، لأنه وصفه تعالى بالنقص ، ووصفه يقتضي له الحدوث ولا بدّ ، وهذا باطل مما قدمنا من انتفاء جميع صفات الحدوث عن الفاعل تعالى ، وليس هذا من باب نفي الضدّين عنه كنفينا عنه تعالى الحركة والسكون لأنّ نفي جميع الضدّين موجود عما ليس فيه أحدهما ولا كلاهما ، وأمّا إذا ثبت للموصوف بعض نوع من الصفات ، وانتفى عنه بعض ذلك النوع فلا بدّ هاهنا ضرورة من إثبات ضدّه ، مثال ذلك الحجر ، انتفى