وقال في قول له آخر وافقه عليه الباقلاني (١) وجمهور أصحابه : إن علم الله تعالى هو غير الله ، وإنه مع ذلك غير مخلوق لم يزل.
وقال أبو الهذيل العلّاف (٢) وأصحابه : علم الله تعالى لم يزل وهو الله ، وقالت طوائف من أهل السنة : علم الله تعالى لم يزل وهو غير مخلوق ، وليس هو غير الله ، ولا نقول هو الله.
وكان هشام بن عمرو الفوطي (٣) أحد شيوخ المعتزلة لا يطلق القول بأنّ الله تعالى لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها ، ليس لأنه لا يعلم ما يكون قبل أن يكون ، بل كان يقول بأن الله تعالى لم يزل عالما بأنه ستكون الأشياء إذا كانت.
قال أبو محمد : فأما من أنكر أن يكون لله تعالى علم فإنهم قالوا : لا يخلو لو كان لله علم من أن يكون غيره أو يكون هو هو ، فإن كان غيره فلا يخلو من أن يكون مخلوقا أو لم يزل. وأيّ الأمرين كان فهو فاسد ، فإن كان هو الله فالله علم وهذا فاسد.
قال أبو محمد : أمّا نفس قولهم في أن ليس لله علم فمخالف للقرآن ، وما خالف القرآن فهو باطل ، ولا يحل لأحد أن ينكر ما نصّ الله تعالى عليه وقد نصّ الله تعالى على أنّ له علما فمن أنكره فقد اعترض على الله تعالى ، وأمّا اعتراضاتهم التي ذكرنا
__________________
(١) هو المتكلم الأصولي القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم البصري ثم البغدادي ابن الباقلاني. صنّف في الردّ على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية والكرامية ، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري ، توفي الباقلاني سنة ٤٠٣ ه. انظر ترجمته في تاريخ بغداد (٥ / ٣٧٩) وترتيب المدارك (٤ / ٥٨٥) ووفيات الأعيان (٤ / ٢٦٩) والمختصر في أخبار البشر (٢ / ١٤٤) والعبر للذهبي (٣ / ٨٦) ودول الإسلام (١ / ٢٤٢) وسير أعلام النبلاء (١٧ / ١٩٠) والوافي بالوفيات (٣ / ١٧٧) والنجوم الزاهرة (٤ / ٢٣٤) وشذرات الذهب (٣ / ١٦٨) وغيرها.
(٢) هو رأس المعتزلة أبو الهذيل محمد بن الهذيل البصري العلّاف المتوفى سنة ٢٢٧ ه ، ويقال : بقي إلى سنة ٢٣٥ ه. انظر ترجمته في طبقات المعتزلة (ص ٤٤) والفهرست لابن النديم (ص ٢٠٣) وتاريخ بغداد (٣ / ٣٦٦) ووفيات الأعيان (٤ / ٢٦٥) وغيرها.
(٣) هو هشام بن عمرو أبو محمد الفوطي المعتزلي الكوفي مولى بني شيبان. نهى عن قول «حسبنا الله ونعم الوكيل» وقال : لا يعذب الله كافرا بالنار ولا يحيي أرضا بمطر ولا يهدي ولا يضلّ ، ويقول : يعذّبون في النار لا بها ، ويحيي الأرض عند المطر لا به ، وأن معنى «نعم الوكيل» أي المتوكّل عليه. انظر ترجمته في طبقات المعتزلة (ص ٦١) والفهرست (ص ٢١٤) وسير أعلام النبلاء (١٠ / ٥٤٧).