مع أنّ هذا أمر يعلم بضرورة الحسّ والعقل.
وحدّ الهوية : هو أنّ كلّ ما لم يكن غير الشيء فهو هو بعينه ، إذ ليس بين الهويّة والغيرية وسيطة يعقلها أحد البتة ، فما خرج عن أحدهما دخل في الآخر ولا بدّ.
وأيضا فكل اسمين مختلفين لا يخبر عن مسمى أحدهما بشيء إلّا كان ذلك الخبر خبرا عن مسمى الاسم الآخر ولا بدّ أبدا فمسماهما واحد بلا شك ، فإذ قد صح فساد هذا القول فلنقل بعون الله تعالى في عبارة الأشعري الأخرى ، وهو قوله : «لا يقال هو هو ، ولا يقال هو غيره» ، فنقول : إنه لم يزد في هذه العبارة على أن قال : «لا يقال في هذا شيء».
قال أبو محمد : وهذا خطأ لأنه لا بدّ ضرورة من أحد هذين القولين أو قول ثالث وهو نفي الغيرية ، وإن لم يطلق هو هو ، أو نفي الهوية ، وإن لم يطلق أنه غيره فسقط هذا القول أيضا إذ ليس فيه بيان الحقيقة.
وأمّا قول أبي الهذيل : إن علم الله تعالى هو الله فإنها تسمية منه للباري تعالى باستدلاله فلا يجوز أن يسمّى الله تعالى ولا يوصف باستدلال البتة ، لأنه بخلاف كلّ ما خلق فلا دليل يوجب تسميته بشيء من الأسماء التي يسمّى بها شيء من خلقه ، ولا أن يوصف بصفة يوصف بها شيء من خلقه ، ولا أن يخبر عنه بما يخبر به عن شيء من خلقه ، إلّا أن يأتي نص بشيء من ذلك فيوقف عنده. فمن وصفه تعالى بصفة يوصف بها شيء من خلقه ، أو سمّاه باسم يسمّى به شيء من خلقه استدلالا على ذلك بما وجد في خلقه فقد شبّهه تعالى بخلقه ، وألحد في أسمائه ، وافترى الكذب.
ولا يجوز أن يسمّى الله تعالى ولا أن يخبر عنه إلّا بما سمّى به نفسه ، أو أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم ، أو صحّ به إجماع جميع أهل الإسلام المتيقّن ولا مزيد ، وحتى ولو كان المعنى صحيحا ، فلا يجوز أن يطلق عليه تعالى اللفظ ، وقد علمنا يقينا أنه تعالى بنى السماء ، قال تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) [سورة الذاريات : ٤٧] ولا يجوز أن يسمّى بنّاء : وأنه تعالى خلق أصباغ النبات والحيوان ، وأنه تعالى قال : (صِبْغَةَ اللهِ) [سورة البقرة : ١٣٨] ولا يجوز أن يسمّى صبّاغا ، وهكذا كل شيء لم يسمّ به نفسه ، وليس يجب أن يسمّى الله تعالى بأنه هو علمه ، وإن صحّ يقينا أن المراد بقوله تعالى أن له علما ليس هو غيره لما ذكرنا ، وبالله تعالى التوفيق. وقد صحّ يقينا أن المراد بقوله تعالى أن له علما ليس هو غيره لما ذكرنا ، وبالله تعالى التوفيق. وقد صحّ أنّ ذات الله تعالى ليست غيره ، وأنّ وجهه ليس