غيره ، وأن نفسه ليست غيره ، وأنّ هذه الأسماء لا يعبّر بها إلّا عنه عزوجل لا عن شيء غيره تعالى البتة ، ولا يجوز أن يقال إنه تعالى ذات ، ولا أنه وجه ، ولا أنه نفس ، ولا أنه علم ، ولا أنه قدرة ، ولا أنه قوّة لما ذكرنا من امتناع أن يسمّى بما لم يسمّ به نفسه عزوجل.
وأمّا علم المخلوقين فهو شيء غيرهم بلا شك لأنه يذهب ويعقبه جهل ، والباري تعالى لا يشبهه غيره ، ولا شيء من خلقه البتة في شيء من هذه الأشياء البتة بل هو تعالى خلاف خلقه في كلّ وجه فوجب أن علمه تعالى ليس غيره ، قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [سورة الشورى : ١١].
قال أبو محمد : فإن قال لنا قائل إذن العلم عندكم ليس هو غير الله تعالى ، وأن قدرته ليست غيره ، وأن قوته ليست غيره تعالى ، فأنتم إذن تعبدون العلم والقدرة والقوة؟
فجوابنا في ذلك وبالله تعالى التوفيق : إننا إنما نعبد الله تعالى بالعمل الذي أمرنا به لا بما سواه ، ولا ندعوه إلّا كما أمرنا تعالى ، قال الله عزوجل : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [سورة الأعراف : ١٨٠].
وقال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [سورة البينة : ٥].
فنحن لا نعبد إلّا الله تعالى كما أمرنا ، ولا نقول إننا نعبد العلم لأنّ الله تعالى لم يطلق لنا أن نطلق هذا اللفظ ، ولا أن نعتقده.
ثم نسألهم عما سألونا عنه بعينه فنقول لهم : أنتم تقرّون أنّ وجه الله تعالى وعين الله ، ويد الله ، ونفس الله ، ليس شيء من ذلك غير الله تعالى بل كل ذلك عندكم هو الله ، فأنتم إذن تعبدون الوجه ، والعين ، واليد ، والذات؟!
فإن قالوا نعم. قلنا لهم : فقولوا في دعائكم يا يد الله ارحمينا ، ويا عين الله ارضي عنا ، ويا ذات الله اغفري لنا ، فإيّاك نعبد. وقولوا : نحن خلق وجه الله ، وعبيد عين الله ، فإن جسروا على ذلك فنحن لا نجيز الإقدام على ما لم يأذن به الله ، ولا نتعدّى حدوده ، فإن شهدوا فلا نشهد معهم. (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [سورة الطلاق : ١].
والذين ألزمونا من هذا هو لازم لهم لا بدّ ، لأنه سؤال رضوه وصححوه ، ومن رضي شيئا لزمه ، ونحن لم نرض هذا السؤال ولا صححناه فلا يلزمنا وبالله تعالى التوفيق.