الآخر من الآخر فيه. وكل هذا فاسد ومحال بالضرورة.
وأيضا فإن الخلاء عندهم مكان لا متمكّن فيه ، والفلك عندهم موجود في الخلاء إذ لا نهاية للخلاء عندهم من طريق المساحة ، فإذا كان الفلك متمكنا في الخلاء عندهم والخلاء عندهم مكان لا متمكّن فيه ، فالخلاء إذن مكان فيه متمكن ليس فيه متمكن. وهذا محال وتخليط.
وهذا بعينه لازم في قولهم إن ذلك الجزء من الخلاء لم ينتقل لحدوث الفلك فيه ، فإن قالوا انتقل ، فإنما صار إلى مكان لم يكن فيه قبل ذلك خلاء ولا ملاء فقد ثبت عدم الخلاء والملاء فيما فوق الفلك ضرورة ، وهذا خلاف قولهم.
وإن قالوا بطل ، لزمهم أيضا أنه قد عدّته المدد ضرورة ، فإذا عدّته المدد فقد تناهى من أوله بالمبدإ ضرورة.
فإن قالوا : بل لم يحدث الفلك في شيء من ذلك المكان الذي هو الخلاء. فقد أثبتوا حيزا آخر ، ومكانا للفلك غير الخلاء الشامل عندهم.
وإذا كان ذلك فقد تناهى كلا المكانين من جهة تلاقيهما ضرورة ، وإذا تناهيا من جهة تلاقيهما لزمتهما المساحة ، ووجب تناهيهما لتناهي ذرعهما ضرورة.
ويسألون أيضا عن هذا الخلاء الذي هو عندهم مكان لا متمكّن فيه : هل له مبدأ متصل بصفحات الفلك العليا أم لا مبدأ له من هنالك؟ ولا بد من أحد الأمرين ضرورة.
فإن قالوا : لا مبدأ له. وهو قولهم. قيل لهم إنّ قول القائل «مكان» ، إنما يفهم منه ما يتمثل في النفس من المقصود بهذه اللفظة وموضعها في اللغة لتكون عبارة عن التفاهم بالمراد بها أنه مساحة ، ولا بدّ للمساحة من الذرع (١) ضرورة ، ولا بد للذرع من مبدأ لأنه كمية ، والكمية أعداد مركبة من الآحاد.
فإن لم يكن له مبدأ من واحد ، اثنين ، ثلاثة ، لم يكن عدد. وإذا لم يكن عدد لم يكن ذرع أصلا. وإذا لم يكن ذرع لم تكن مساحة ، ولا انفساح ولا مسافة.
وكل هذه الألفاظ واقعة إما على ذرع المذروع ، وإما على مذروع بالذرع
__________________
(١) الذرع : القياس بالذراع.