ضرورة. فإن قالوا : له مبدأ من هنالك. وجبت له النهاية ضرورة لحصر العدد لمساحته بوجود المبدأ له.
ويسألون أيضا : أمماس هو للفلك أم غير مماس ، وباين عنه أم غير باين (١)؟
فإن قالوا : لا مماس ولا مباين. فهذا أمر لا يعقل بالحس ، ولا يتشكل في النفس ، ولا يقوم على صحته برهان أبدا إلّا في الأعراض المحمولة في الأجسام. وهم يقولون : إن الخلاء عرض محمول في جسم. وكل دعوى لم يقم عليها دليل فهي باطلة مردودة.
وإن أثبتوا المماسة أو المباينة وجب عليهم ضرورة إثبات النهاية له كما لزم بإثبات المبدأ ، إذ النهاية منطوية في ذكر المبدأ ، والمماسة أو المباينة ضرورة لا شك فيها. وبالله التوفيق.
ويسألون أيضا عن هذا الخلاء الذي يذكرون ، والزمان الذي يثبتون : أمحمولان هما أم حاملان؟ أم أحدهما محمول والثاني حامل؟ أم كلاهما لا حامل ولا محمول؟
فأيهما أجابوا فيه بأنه حامل فلا شك في أن محموله غيره ، إذ لا يكون الشيء حاملا لنفسه ، فله إذا محمول لم يزل وهو غير الزمان. فإن قالوا ذلك كلّموا بما قدّمنا قبل على أهل الدّهر القائلين بأزلية العالم.
وأيضا فإن كان المكان حاملا فلا يخلو ضرورة من أحد وجهين :
إما أن يكون حاملا لجرم متمكن فيه ، وهذا يوجب النهاية له لوجوب نهاية الجرم المتمكن فيه بالدلائل التي قدمنا في إثبات نهايات الأجرام. وإمّا أن يكون حاملا لكيفياته ، فإن كان حاملا لكيفياته فهو مركب من هيولاه (٢) وأعراضه ، وجنسه وفصوله.
وبالضرورة يعلم كل ذي حس سليم أن كل مركب فهو متناه بالجرم والزمان بالدلائل التي قدمنا. ولا سبيل إلى حمل ثالث.
وأيهما قالوا فيه إنه محمول فإنه يقتضي حاملا ، وبعكس الدليل الذي ذكرنا آنفا سواء بسواء.
__________________
(١) باين : مباين ، بعيد.
(٢) الهيولى : هي المادة القابلة لأن تكون أي شيء ، وهذه القابلية تسمى «القوّة» فإذا تشكّلت صارت موجودة بالفعل.