منه ، وقد علمنا أنّ الله تعالى أرحم الرّاحمين حقّا لا مجازا ، من أنكر هذا فهو كافر ، حلال دمه وماله ، وهو تعالى يبتلي الأطفال بالجدري ، والأواكل والجن والذبحة والأوجاع حتى يموتوا ، وبالجوع حتى يموتوا كذلك. ويفجع الآباء بالأبناء ، وكذلك الأمهات ، والأحياء بعضهم ببعض حتى يهلكوا ثكلا ، ووجدا ، وكذلك الطير بأولادها ، وليس هذه صفة الرحمن بيننا ـ فصحّ يقينا أنها أسماء لله تعالى ، سمّى الله تعالى بها نفسه غير مشتقة من صفة محمولة فيه تعالى ـ وحاشا له من ذلك.
فإن قالوا : إن العالم ، القادر ، الحيّ ، الأوّل ، الرحيم ـ بخلاف هذا.
قيل لهم : صدقتم. وهذا إبطال منكم لاستدلالكم بالشاهد بينكم على تسمية الباري تعالى وصفاته.
قال أبو محمد : وأمّا وصفنا الباري تعالى بأنه أوّل ، حيّ ، خالق ، فلا يلزمنا في ذلك شيء مما ألزمناه خصومنا ، لأنه قد قام البرهان بأنه خالق ما سواه ، وليس في العالم خالق البتّة بوجه من الوجوه إلّا الباري تعالى.
وقد قام البرهان على أنه تعالى واحد ، لا واحد في العالم غيره البتة بوجه من الوجوه ، وكلّ ما في العالم فمتكثر كثير لا واحد ، وقد قام البرهان على أنه تعالى الأول الذي لا أوّل في العالم غيره ، وكل ما في العالم ينافي الأول.
وقد قام البرهان على أنه تعالى : الحق بذاته ، وأنّ كل ما في العالم فإنما هو محقّق له تعالى. وإنما كان حقا بالباري عزوجل ، ولولاه لم يكن حقّا. فهذا هو البرهان الصحيح الثابت ، الذي لا يعارض ببرهان البتة ، وهذا هو نفي التشبيه.
ثم إننا ننفي عن الباري تعالى جميع صفات العالم ، فنقول :
إنه تعالى لا يجهل أصلا ، ولا يغفل البتة ، ولا يسهو ، ولا ينام ، ولا يجبن ، ولا يخفى عليه متوهم ، ولا يعجز عن مسئول عنه ، لأننا قد بينا فيما خلا من كتابنا هذا : أنّ الله تعالى بخلاف خلقه من كل وجه.
فإذ ذلك كذلك ـ فواجب نفي كلّ ما يوصف به شيء في العالم عنه تعالى عن المعهود.
وأمّا إثبات الوصف أو التسمية له تعالى ، فلا يجوز إلّا بنصّ. ونخبر عنه تعالى في أفعاله عزوجل فنقول :
إنه تعالى يحيي الموتى ويميت الأحياء إلّا أن يثبت إجماع في إباحة شيء من ذلك. ولو لا الإجماع على إباحة إطلاق بعض ذلك هاهنا لما أجزناه ونقول : إنه تعالى