بإرادة ، فقال هذا المعترض : إن من اتفق له ألا يرى نباتا إلّا أخضر ، ولا أخضر إلا نباتا فقطع بأن كل أخضر فهو نبات فقد أخطأ.
قال أبو محمد : فأول ما يقال له : قل هذا لنفسك في استدلالك بأنك لم تر قطّ فعّالا إلّا حيا ، عالما ، قادرا ـ ولا فرق.
ثم نعود بعون الله تعالى إلى بيان ما شغبوا به ، مما لا يعرفون الفرق بينه وبين ما يقطع عليه ـ فنقول وبالله تعالى التوفيق :
إنّ الأعراض تنقسم قسمين ، أحدهما ذاتي ، لا يتوهم بطلانه إلّا ببطلان حامله كالحسّ والحركة الإرادية للحيّ ، وكذلك احتمال الموت للإنسان مع إمكان التمييز للعلوم والتصرف في الصناعات وما أشبه هذا.
ومن هذه الأعراض تقوم فصول الأشياء وحدودها التي تفرق بينها وبين غيرها من الأنواع التي تقع معها تحت جنس واحد ـ فهذا القسم مقطوع على وجوده في كل ما وقع اسم حامله عليه.
والقسم الثاني : غيريّ وهو ما يتوهم بطلانه ولا يبطل بذلك ما هو فيه كاجترار البعير والغنم ، وحلاوة العسل ، وسواد الغراب ، فإن وجد عسل مر ـ وقد وجدناه ـ لم يبطل بذلك أن يكون عسلا ، وكذلك لو وجد غراب أبيض ـ وقد وجد ـ لم يبطل بذلك أن يكون غرابا. فمثل هذا القسم لا يقطع على أنه موجود ولا بدّ أبدا. فهذا الفرق بين ما شغب به من النبات ، لأنه إن توهّم النبات أحمر أو أصفر لم يبطل أن يسمّى نباتا ، ولكنه إن توهّم أن يكون النبات غير نام من الأرض ، ولا متغذّ برطوباتها ، منجذبا نحو الهواء فإنه لا يكون نباتا أصلا.
وأيضا فقد قال بعضهم : إنه قد يعرف الباري حيّا من لا يعرفه حسّاسا متحركا بإرادة.
قيل له : وقد يعرفه حيّا من لا يعرف أنّ له حياة ، وقد يعرفه جسما من لا يعرفه مؤلفا ، ولا محدثا ، وليس توهم الجهّال ما توهموه من الحماقات حجة على أهل العقول. والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : برهان ضروري ، وهو أنّ كل صفة في العالم فهي ضرورة ـ ولا بدّ ـ عرض بين الطرفين ، أو أحد ذينك الطرفين ، وإما ذات ضدّ فحاملها بالضرورة قابل للأضداد. ولا عالم في العالم إلّا والجهل منه متوهّم ، ولا قادر في العالم إلّا والعجز منه متوهّم ، ولا حيّ في العالم إلّا والسكون والحركة والحسّ والحذر متوهّمات كلّها