أحد دونه تعالى. ونقول : لا يغفل البتة ، ولا يضل ، ولا يسهو ، ولا ينام ، ولا يتحير ، ولا ينحل ، ولا يخفى عليه متوهم ، ولا يعجز عن مسئول عنه ، ولا ينسى ، وكل هذا فلا يستحقه مخلوق دونه تعالى أصلا.
ثم نقر بما جاء به القرآن والسنن كما جاء لا نزيد فيه ولا ننقص منه ، ولا نحيله (١) ، فنؤمن بأنه بخلاف المعهود فيما يقع عليه ذلك اللفظ من خلقه.
وأما لفظ الصفة في اللغة العربية ، وفي جميع اللغات ، فإنها عبارة عن معنى محمول في الموصوف بها ، لا معنى للصفة غير هذا البتة. وهذا أمر لا يجوز إضافته إلى الله تعالى البتة إلّا أن يأتي نص بشيء أخبر الله تعالى به عن نفسه فنؤمن به ، وندري حينئذ أنه اسم علم لا مشتق من صفة ، وأنه خبر عنه تعالى لا يراد به غيره عزوجل ، ولا يرجع منه إلى سواه البتة. والعجب كل العجب أن يسمّى الله تعالى حيّا ، لأنهم لم يجدوا الفعل يقع إلّا من حيّ ، ثم يقولون : إنه لا كالأحياء فعادوا إلى دليلهم فأفسدوه ، لأنهم إذا أوجبوا وقوع الفعل من حيّ ليس كالأحياء الذين لا تقع الأفعال إلّا منهم ، فقد أبطلوا أن يكون ظهور الأفعال دليلا على أنها من حيّ كما عهدوه وإن كان بخلاف ما عهدوه فلا ينكرون وقوع الفعل ممن لا يسمّى حيّا ـ وإن كان بخلاف ما عهده ، وقد علمنا يقينا أن القدرة من كل قادر في العالم إنما هي عرض فيه ، وأنّ الحياة في الحيّ المعهود بضرورة العقل عرض فيه أيضا ، وأن العلم في كل عالم في العالم كذلك ، وقد وافقونا على أن الباري تعالى بخلاف ذلك ، فإذ قد بطل أن يكون هذا موصوفا بصفة القادر فيما بيننا والعالم منا التي لولاها لم يكن العالم عالما والقادر قادرا فإن الفعل فيما بيننا لا يقع إلّا من أهل تلك الصفة ، فقد بطل ضرورة أن يسمّى الباري تعالى باسم قادر أو عالم أو حيّ استدلالا بأن الفعل فيما بيننا لا يقع إلّا من عالم قادر ، وإذ قد جوّزوا وجود علم ليس عرضا وحياة ليس عرضا ، وهذا أمر غير معقول أصلا ، فلا ينكرون وجود حيّ بلا حياة ، وسميع بلا سمع ، وبصير بلا بصر ، وكل هذا خروج عن المعهود ـ ولا فرق. وإنما يستجاز الخروج عن المعهود إذا جاء به نصّ من الخالق عزوجل ، أو قام به برهان ضروري ، وإلا فلا. ولم يأت نصّ قط بلفظ الحياة ، ولا الإرادة ، ولا السمع ، ولا البصر. واحتجّ بعضهم في معارضة من قال : إن الحيّ لا يكون إلّا حسّاسا متحركا بإرادة ، لأننا لم نشاهد قط حيا إلّا حساسا متحركا
__________________
(١) أي لا نعتبره مستحيلا.