وغيرهم. والنصارى لا يعرفون هؤلاء ، لكن يقرون بنبوة كل نبي تعرفه من بني إسرائيل ، وإبراهيم وإسحاق ، ويعقوب عليهمالسلام ، ولا يعرفون نبوة إسماعيل ، وصالح ، وهود ، وشعيب. وينكرون نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وعلى إخوته الأنبياء
عليهمالسلام ، والصابئون لا يقرون بنبوة أحد ممن ذكرنا أصلا ، وكذلك المجوس لا يعرفون إلّا زرادشت فقط.
(ب) وأما الفرقة الثانية فإنها تذهب إلى أنّ العالم هم مدبروه لا غيرهم البتة ، وهم : الديصانية ، والمرقيونية ، والمانية : القائلون بأزلية الطبائع الأربع وأنها بسائط غير ممتزجة ، ثم حدث الامتزاج فحدث العالم بامتزاجها. فأمّا المانية فإنهم يقولون إنّ أصلين لم يزالا وهما نور وظلمة ، وأن النور والظلمة حيان ، وأن كليهما غير متناه إلّا من الجهة التي لاقى منها الآخر ، وأما من جهاته الخمس فغير متناه ، وأنهما جرمان ، ثم لهم في وصف امتزاجهم أشياء شبيهة بالخرافات ، وهم أصحاب «ماني». وقال المتكلمون : إن «ديصان» كان تلميذ «ماني» وهذا خطأ بل كان أقدم من «ماني» لأن «ماني» ذكره في كتبه وردّ عليه. وهما متفقان في كل ما ذكرنا إلّا أنّ الظلمة عند «ماني» حية ، وقال «ديصان» : هي موات.
وكان «ماني» راهبا بحرّان ، وأحدث هذا الدّين ، وهو الذي قتله الملك «بهرام بن بهرام» وإذ ناظره بحضرته «أذرباذ بن ماركسفند موبذ موبذان» في مسألة قطع النسل ، وتعجيل فراغ العالم ، فقال له «الموبذ» : أنت الذي تقول بتحريم النكاح ليستعجل فناء العالم ، ورجوع كل شكل إلى شكله ، وإن ذلك حقّ واجب؟
فقال له «ماني» : واجب أن يعان النور على خلاصه بقطع النسل مما هو فيه من الامتزاج.
فقال له : «أذرباذ» فمن الحق الواجب أن يعجّل لك هذا الخلاص الذي تدعو إليه ، وتعان على إبطال هذا الامتزاج المذموم. فانقطع «ماني». فأمر «بهرام» بقتل «ماني» فقتل هو وجماعة من أصحابه. وهم لا يرون الذبائح ، ولا إيلام الحيوان ، ولا يعرفون من الأنبياء عليهمالسلام إلا عيسى عليهالسلام وحده ، ويقرون بنبوة «زرادشت» ويقولون بنبوة «ماني».
وقالت : «المزدقية» أيضا كذلك إلّا أنهم قالوا : نور وظلمة لم يزالا ، وثالث أيضا بينهما لم يزل ، إلّا أن هؤلاء كلهم متفقون على أن هذه الأصول لم تحدث شيئا هو غيرها ، لكن حدث من امتزاجها ومن أبعاضها بالاستحالة صور العالم كله.
فهذه الفرق كلها مطبقة على أن الفاعل أكثر من واحد ، وإن اختلف في العدد والصفة ، وكيفية الفعل ، وإلزامات الشرائع.