فيقال لهم : فأي معنى لدعائكم إلى الخير ، ونهيكم عن النكاح (١) والقتل؟ وأخبرونا ، من تدعون إلى كل ذلك؟
فإن كنتم تدعون النور فهو طبعه ، وهو فاعل له بطبعه قبل أن تدعوه إليه ، لا يمكنه أن يحول عنه. فدعاؤكم له إلى ما يفعله ، وأمركم له بترك ما لا يفعله عبث من النور ، داع إلى المحال. وهذا خلاف أصلكم.
وإن كنتم تدعون للظلمة فذلك عبث من النور الداعي لها إلى ذلك ، إذ لا سبيل لها إلى ترك طبعها.
وهكذا يقال لهم سواء بسواء ، إن قالوا : إنّ من الأجساد ما هو نور محض ، ومنها ما هو ظلمة محضة.
وهكذا يسألون في الأرواح إن أقروا بها.
ثم يسألون عمن رأيناه ينكح ، ويقتل ، ويظلم ، ويكذب ثم تاب عن كل ذلك من القاتل الظالم؟ أهو النور أم الظلمة؟ ومن التائب؟ النور أم الظلمة؟
فأيّ ذلك قالوا فهو هدم مذهبهم ، وقد جوّزوا الاستحالة.
فإن قالوا : معنى دعائنا إلى ما ندعو إليه من ذلك إنما هو حض للنور على المنع للظلمة من ذلك.
قيل لهم : أكان النور قادرا على منعها قبل دعائكم أم لا؟
فإن قالوا : كان قادرا. قيل لهم : فقد ظلم بتركه إيّاها تظلم وهو يقدر على منعها قبل دعائكم.
وإن قلتم : لم يذكر حتى نبّه. قيل لهم : فهذا نقص منه وجهل ، وصفات شر لا تليق بالنور على قولكم.
وهذا ما لا انفكاك لهم منه.
وأيضا فيقال لهم : إنّ الدّاعي منكم إلى دينه لا يقول لمن دعاه كف غيرك عن ظلمه ، إنما يقول له : كفّ عن ظلمك ، وارجع عن ضلالك ، ولقد أحسنت في رجوعك عن الباطل إلى الحق.
فإن كنتم تأمرون بأن يخاطب بذلك الظلمة فالآمر بذلك كاذب آمر بالكذب.
__________________
(١) يدعون إلى النهي عن الزواج لأن الإنجاب عندهم شرّ ، وفناء البشر خير.