لا نهاية له ، وأن الظلمة في السفل إلى ما لا نهاية له ، وأن كل واحد منهما متناهي المساحة من الجهة التي لاقى منها الآخر ، وغير متناه من جهاته الخمس ، وأن اللذة للنور خاصة لا للظلمة ، وأن الأذى للظلمة خاصة لا للنور.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : فأما بطلان هذا القول في عدم التناهي من الجهات الخمس (١) ، فيفسد بما أوجبنا به تناهي جسم العالم.
وأمّا قولهم بالعلو والسفل فظاهر الفساد ، لأن السفل لا يكون إلا بالإضافة (٢) ، وكذلك العلو.
فكل علو فهو سفل لما فوقه حتى تنتهي إلى الصفحة العليا من الفلك الأعلى التي لا صفحة فوقها ، وهم يقرون بهذا.
وكل سفل فهو علو لما تحته حتى تنتهي إلى المركز ، وهم يقرون بهذا.
فصح ضرورة أن في الظلمة على قولهم علوّا وأن في النور سفلا.
وأمّا قولهم في اللّذة والأذى ففاسد جدّا ، لأن اللذة لا تكون إلّا بالإضافة ، وكذلك الأذى.
فإنّ الإنسان لا يلتذ بما يلتذ به الحمار ، ويتأذى بما لا تتأذى به الأفعى ، فبطل هوسهم بيقين والحمد لله رب العالمين.
سؤال على المانية دامغ لقولهم بحول الله وقوته ، وهو أن يقال لهم :
ألهذه الأجساد أنفس أم لا؟
فإن قالوا : لا. قيل لهم : فهذه الأجساد لا تخلو على أصولكم من أن يكون في كل جسد منها نور وظلمة أو يكون بعض الأجساد نورا محضا ، وبعضها ظلمة محضة؟
فإن قالوا : في كل جسد نور وظلمة ـ قيل لهم : فهل يجوز من الظلمة فعل الخير؟ فلا بدّ من لا ، لأنه لو فعلت الخير لانتقلت إلى النور ، وكذلك لا يجوز أن يفعل النور شرّا لأنه كان يصير ظلمة.
__________________
(١) الجهات الستّ هي : الشمال والجنوب والشرق والغرب والعلو والسفل.
(٢) بالإضافة إلى الآخر ، أي العلو. وكذا العلو لا يكون إلا بالإضافة إلى السفل. وكذلك كل شيء له ضدّ لا يكون إلا بالإضافة إلى ضده ، كالطول والقصر ، والخفة والثقل ... الخ.