وقد بيّنا في كتابنا هذا أن الباري تعالى لا يشبهه شيء من خلقه بوجه من الوجوه ، ولا يجري مجرى خلقه في معنى ولا حكم.
وذكرنا أيضا فيه إبطال قول من قال بتسمية الباري حيّا ، أو حكيما ، أو قادرا ، أو غير ذلك من سائر الصفات من جهة الاستدلال حاشا أربعة أسماء فقط ، وهي : الأول ، الواحد ، الحق ، الخالق فقط. وهذه الأسماء هي التي لا يستحقها شيء في العالم غيره ، فلا أول سواه البتة ، ولا واحد سواه البتة ، ولا خالق سواه البتة ، ولا حقّ سواه البتة على الإطلاق. وكل ما دونه تعالى فإنما هو حق بالباري تعالى ، ولو لا الباري تعالى ما كان شيء في العالم حقّا ، وما دونه تعالى فإنما حقّ بالإضافة.
ولو لا أن السمع قد ورد بسائر الأسماء التي ورد الخبر الصادق بها ، ما جاز أن يسمى الله عزوجل بشيء منها ، ولكن قد بيّنا في مكانه من هذا الكتاب على أي شيء تسميته بما ورد السمع ، وأن ذلك تسمية لا يراد بها غيره تعالى ، ولا يرجع منها إلى شيء سواه البتة.
وأيضا فإنّ دليلهم فيما سموا به الباري تعالى ، وأجروا عليه إقناعيّ شغبيّ وفيه تشبيه للخالق بخلقه.
وفي تشبيههم له بخلقه حكم عليه بالحدوث ، وأن يكون الفاعل مفعولا ، وقد قدمنا إبطال ذلك.
ويقال لهم : إن التزمتم أن يكون فاعل الشر فيما عندنا عابثا فقررتم بذلك على أن يكون فاعل العالم واحدا ، فقد علمنا فيما بيّنّا أن تارك الشيء لا يغيره وهو قادر على تغييره عابث ظالم.
ولا يخلو فاعل الخيرات عندكم من أن يكون قادرا على تغيير الشر والمنع منه أو لا يكون قادرا على ذلك ، فإن قلتم إنه قادر على تغييره والمنع منه ولم يغيّره ، فقد صار عندكم عابثا ضرورة ، فقد وقعتم فيما عنه فررتم ضرورة.
وإن قلتم : إنه غير قادر على تغييره ، ولا المنع منه ، فهو بلا شك عاجز ضعيف.
وهذه صفة سوء عندكم ، فهلا تركتم القول بأنه أكثر من واحد لهذا الاستدلال ، فإنه أصح على أصولكم ومقدّماتكم؟
وأما نحن فمقدمتكم عندنا فاسدة بالبرهان الذي ذكرناه.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : والمانية تزعم أن النور كان في العلو إلى ما