لسان مؤمن بحكاية هذا القول العظيم الشنيع ، السمج ، السخيف ، وتالله لو لا أننا شاهدنا النصارى ما صدقنا أن في العالم عقلا يسع هذا الجنون ونعوذ بالله من الخذلان.
فأما «اليعقوبية» : فإنهم ينسبون إلى «يعقوب» البرذعاني ، وكان راهبا بالقسطنطينية ، وهم فرقة نافرت العقل والحس منافرة وحشية تامّة ، لأن الاستحالة نقلة ، والنقلة والاستحالة لا يوصف بهما الأول الذي لم يزل تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
ولو كان كذلك لكان مخلوقا ، والمحدث يقتضي محدثا خالقا له ، ويكفي من بطلان هذا القول دخوله في باب المحال والممتنع الذي أوجب العقل والحس بطلانه ، وليس في باب المحال أعظم من أن يكون الذي لم يزل يعود محدثا لم يكن ثم كان ، وأن يصير غير المؤلف مؤلّفا ، ويلزم هؤلاء القوم أن يعرفونا من دبر السماوات والأرض وأدار الفلك هذه الثلاثة الأيام التي كان فيها ميتا؟! تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
ثم يقال للقائلين بأن الباري تعالى ثلاثة أشياء أب وابن وروح القدس : أخبرونا ، إذ هذه الثلاثة الأشياء لم تزل كلها ، وأنها مع ذلك شيء واحد إن كان ذلك كما ذكرتم؟ فبأي معنى استحق أن يكون أحدهما يسمى أبا والثاني ابنا والثالث روح القدس وأنتم تقولون : إن الثلاثة واحد ، وأن كل واحد منها هو الآخر؟ فالأب هو الابن والابن هو الأب وهما روح القدس ، وليس روح القدس سواهما؟ وهذا هو عين التخليط ، وإنجيلهم يبطل هذا بقولهم فيه «سأقعد عن يمين أبي». وبقولهم فيه : «إن القيامة لا يعلمها إلا الأب وحده ، وإن الابن لا يعلمها».
فهذا يوجب أن الابن ليس هو الأب.
وإن كانت الثلاثة متغايرة ـ وهو لا يقولون بهذا ـ فيلزمهم أن يكون في الابن معنى من الضعف ، أو من الحدوث ، أو من النقص به وجب أن ينحط عن درجة الأب.
والنقص ليس من صفة الذي لم يزل ، مع ما يدخل على من قال بهذا من وجوب أن تكون محدثة لحصر العدد وجري طبيعة النقص والزيادة فيها ، على حسب ما قدمناه في حدوث العالم.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وقد لفق بعضهم أشياء قالوا إنها لا معنى لها ، إلا أننا ننبّه عليها ليتبين هجنة قولهم وضعفه بحول الله تعالى وقوّته ، وذلك أنّ بعضهم قال : لما وجب أن يكون الباري تعالى حيّا وعالما وجب أن تكون له حياة وعلم ، فحياته هي التي تسمى روح القدس ، وعلمه هو الذي يسمى الابن.