وكان منهم أصحاب «مقدونيوس» وكان بطريركا في «القسطنطينية» بعد ظهور النصرانية أيام قسطنطين بن قسطنيطين باني «القسطنطينية» ، وكان هذا الملك «آريوسيّا» كأبيه. وكان من قول «مقدونيوس» هذا : التوحيد المجرد ، وأن عيسى عليهالسلام عبد مخلوق ، إنسان نبي ، رسول الله كسائر الأنبياء عليهمالسلام. وأن عيسى هو روح القدس ، وكلمة الله عزوجل. وأن روح القدس والكلمة مخلوقان ، خلق الله كل ذلك.
ومنهم «البربرانية» : وهم يقولون إن عيسى وأمه إلهان من دون الله عزوجل. وهذه الفرقة قد بادت.
وعمدتهم اليوم ثلاث فرق :
فأعظمها فرقة «الملكانية» : وهي مذهب جميع ملوك النصارى حيث كانوا حاشا الحبشة والنوبة ، ومذهب جميع نصارى إفريقية ، وصقلية ، والأندلس وجمهور الشام ، وقولهم : إن الله تعالى ـ عبارة عن قولهم ـ ثلاثة أشياء : أب وابن وروح القدس ، كلها لم تزل ، وأن عيسى عليهالسلام : إله تام كله ، وإنسان تام كله ، ليس أحدهما غير الآخر ، وأن الإنسان منه هو الذي صلب وقتل ، وأن الإله منه لم ينله شيء من ذلك ، وأن مريم ولدت الإله والإنسان وأنهما معا شيء واحد ابن الله. تعالى الله عن كفرهم.
وقالت النسطورية مثل ذلك سواء بسواء ، إلّا أنهم قالوا : إنّ مريم لم تلد الإله ، وإنما ولدت الإنسان ، وأن الله تعالى لم يلد الإنسان وإنما ولد الإله. تعالى الله عن كفرهم. وهذه الفرقة غالبة على الموصل والعراق وفارس وخراسان. وهم منسوبون إلى «نسطور» وكان بطريركا بالقسطنطينية.
وقالت «اليعقوبية» : إن المسيح هو الله تعالى نفسه ، وإن الله ـ تعالى عن عظيم كفرهم ـ مات وصلب وقتل ، وإن العالم بقي ثلاثة أيام بلا مدبر ، والفلك بلا مدبر ، ثم قام ورجع كما كان ، وإن الله تعالى عاد محدثا ، وإن المحدث عاد قديما ، وإنه تعالى هو كان في بطن مريم محمولا به.
وهم في أعمال مصر ، وجميع النوبة ، وجميع الحبشة ، وملوك الأمتين المذكورتين.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : ولو لا أن الله تعالى وصف قولهم في كتابه إذ يقول تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [سورة المائدة : ١٧] وإذ يقول تعالى حاكيا عنهم : (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) [سورة المائدة : ٧٣] وإذ يقول تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [سورة المائدة : ١١٦] لما انطلق