ناشئة من العلم الخارجي لورود المقيد على أحدهما فيعلم منه عدم إرادة كلا الإطلاقين. ومن الواضح انّ نسبة العلم الإجمالي إليهما على حد سواء ، وأقوائية أحدهما في الظهور لا توجب تقدمه على الآخر ، إذ لم يكن التعارض بين الظهورين كي يتقدم الأظهر على الظاهر ، مثلا لو ورد من المولى «أكرم زيدا» ثم نقل عنه «أكرم عالما» بنحو العموم البدلي وعلمنا من الخارج إجمالا بكذب أحد الدليلين ، أو انه لم يرد الظاهر من أحد الخطابين واما استعمل لفظ زيد في غير معناه مجازا أو لم يرد الإطلاق من المطلق. فلا وجه لتقديم ظهور لفظ زيد في معناه ، ورفع اليد عن إطلاق المطلق لأقوائيته حيث انه بالوضع لا بمقدمات الحكمة ، وهكذا لو علمنا بطهارة أحد الإناءين وجدانا وحكمنا بطهارة الإناء الآخر بقاعدة الطهارة ثم علمنا إجمالا بنجاسة أحد الإناءين فلا وجه لرفع اليد عن طهارة الإناء التي كان مستند طهارته هو القاعدة ، لأقوائية العلم الوجداني عن القاعدة.
وكذا الحال لو علمنا إجمالا بإرادة خلاف الظاهر ، امّا من الدليل الحاكم وامّا من الدليل المحكوم مثل قوله عليهالسلام «لا شك لكثير الشك» مع أدلة الشكوك ، فلا يتقدم ظهور الدليل الحاكم لكونه أقوى.
وبالجملة لا عبرة لأقوائية أحد طرفي العلم الإجمالي على الآخر في تقديمه عليه ، والوجه فيه واضح ، فانّ التعارض ليس بين نفس الظهورين وانما هو من جهة العلم الإجمالي ، ونسبته إلى أضعف الحجج وأقواها على حد سواء.
والمثال الواضح لذلك هو انّ البيّنة لا تعارضها اليد ، لأنها تتقدم عليه على كل حال ، فلو قامت البيّنة على عدالة زيد وحكمنا بقاعدة اليد بأنّ الدار الفلاني ملك عمرو ثم علمنا بكذب أحد الدليلين ومخالفته للواقع ، فلا وجه لتقديم البيّنة على اليد لكونها أقوى منه ، بل لا بدّ في ذلك من العمل بما يقتضيه العلم الإجمالي ، ومقتضى العلم الإجمالي فيما نحن فيه سقوط كلا الإطلاقين عن الحجّية بعد ثبوتها لفرض انفصال القرينة.