أبيه [و](١) الغلام بشفقته عليه ورحمته ، وتمام كفايته وحسن ولايته له ، فإذا وضع قدمه فى هذه الدّرجة انتقل منها إلى درجة الرضا ، وهى ثمرة التوكّل. ومن فسّر التوكّل بها فإنّما فسّره بأحد ثمراته وأعظم فوائده ، فإنه إذا توكّل حقّ التوكّل رضى بما يفعله وكيله.
والمقدور يكتنفه أمران : التوكّل قبله ، والرّضا بعده ، فمن توكّل على الله قبل الفعل ، ورضى بما قضى له بعد الفعل فقد قام بالعبوديّة.
واعلم أنّ التوكّل من أعمّ المقامات تعلّقا بالأسماء الحسنى ، فإنّ له تعلّقا خاصّا بعامّة أسماء الأفعال ، وأسماء الصّفات ، فله تعلّق باسمه الغفّار / ، والتّواب ، والغفور ، والرّحيم ؛ وتعلّق باسمه الفتّاح ، والوهّاب ، والرزّاق ، والمعطى ؛ وتعلّق باسمه المعزّ والمذلّ ، والخافض والرّافع ، والمانع من جهة توكّله عليه فى إذلال أعداء دينه ومنعهم أسباب النصر وخفضهم ؛ وتعلّق بأسماء القدرة والإرادة ، وله تعلّق عام بجميع الأسماء الحسنى ، ولهذا فسّره من فسّره من الأئمة بأنّه (٢) من المعرفة بالله ، وإنما أراد أنّه بحسب معرفة العبد يصحّ له مقام التّوكّل ، فكلّما كان بالله أعرف كان توكّله عليه أقوى. وكثير من المتوكّلين يكون مغبونا فى توكّله ، وقد توكّل حقيقة التوكّل وهو مغبون ، كمن صرف توكّله إلى حاجة جزئية استفرغ فيها قوّة توكّله ويمكنه فعلها بأيسر شىء ، وتفريغ قلبه للتوكّل فى زيادة الإيمان والعلم ونصرة الدّين والتأثير فى العالم خيرا ، فهذا توكّل العاجز القاصر الهمّة ؛ كما يصرف بعضهم توكّله ودعاءه
__________________
(١) تكملة يقتضيها سياق العبارة.
(٢) فى ا ، ب : «فإنه».