ويئس أيضا بمعنى علم فى لغة النّخع ، ومنه قوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا)(١). كان علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ومجاهد وأبو جعفر والجحدرىّ وابن كثير وابن عامر يقرءون : (أفلم يتبيّن (٢) الّذين آمنوا) ، فقيل لابن عبّاس : إنّها ييأس ، فقال : أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس (٣). وقال سحيم بن وثيل اليربوعىّ الرّياحىّ (٤) :
وقلت لهم بالشّعب إذ ييسروننى |
|
ألم تيأسوا أنّى ابن فارس زهدم (٥) |
وقال الفرّاء فى قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) أفلم يعلم قال : وهو فى المعنى على تفسيرهم ، لأنّ الله تعالى قد أوقع إلى المؤمنين أن لو شاء لهدى النّاس جميعا فقال : أفلم ييأسوا علما ، يقول : يؤيسهم العلم ، فكان العلم فيه مضمرا ، كما تقول فى الكلام : قد يئست منك ألّا تفلح ، كأنّك : قلت [قد] علمته علما (٦). وقيل معناه : أفلم ييأس الّذين آمنوا من إيمان من وصفهم الله بأنّهم لا يؤمنون ، لأنه قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى)(٧).
وقوله : (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ)(٨) قال ابن عرفة :
__________________
(١) الآية ٣١ سورة الرعد.
(٢) فى ا ، ب ييئس والتصويب من اللسان وفى الكشاف : هو تفسير ، أى لا قراءة.
(٣) هذا ونحوه مما لا يصدق فى كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ورحم الله الزمخشرى وهو يقول أيضا : وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتى الإمام وكان متقلبا فى أيدى أولئك الأعلام المحتاطين فى دين الله المهيمنين عليه لا يغفلون عن جلائله ودقائقه خصوصا عن القانون الذى إليه المرجع والقاعدة التى عليها البناء وهذه والله فرية ما فيها مرية.
(٤) ذكر بعض العلماء أنه لولده جابر بن سحيم بدليل قوله فيه : أنى ابن فارس زهدم ، وزهدم فرس سحيم. وقال أبو محمد الأعرابى : زهدم فرس بشر بن عمرو أخى عوف بن عمرو وعوف جد سحيم وعليه فيكون الشعر لسحيم وانظر أنساب الخيل لابن الكلبى / ٥١.
(٥) البيت فى اللسان (يأس). شرح شواهد الكشاف / ١١٢.
(٦) فى الكشاف (سورة الرعد) : استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لأن اليائس عن الشىء عالم بأنه لا يكون ، كما استعمل الرجاء فى معنى الخوف ، والنسيان فى معنى الترك لتضمن ذلك.
(٧) الآية ٣٥ سورة الأنعام.
(٨) الآية ١٣ سورة الممتحنة.