قدرها وخطرها ، وما أقوى إعانتها على السّلوك ، فمن أحس بها فقد أحسّ والله بالفلاح ، وإلّا فهو فى سكرات الغفلة ، فإذا انتبه وتيقّظ شمّر بهمّته إلى السّفر إلى منازله الأولى ، فأخذ فى أهبة السّفر ، وانتقل إلى منزلة العزم ، وهو العهد الجازم على الشىء ، ومفارقة كلّ قاطع ومعوّق ، وبحسب قوّة عزمه يكون استعداده ، فإذا استيقظ أوجبت اليقظة الفكرة وهى تحديق (١) القلب نحو المطلوب الّذى قد سعد به مجملا ، ولم يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه ، فإذا صحّت فكرته أوجبت له البصيرة ، وهى نور فى القلب يرى به حقيقة الوعد والوعيد ، والجنّة والنّار ، وما أعدّ الله فى هذه لأوليائه ، وفى هذه لأعدائه ، فأبصر النّاس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوه الحقّ (٢) ، وقد نزلت ملائكة السماوات فأحاطت ، وقد جاء الله ونصب كرسيّه لفصل القضاء ، وقد أشرقت الأرض بنوره ، ووضع الكتاب ، وجاء بالنبيين والشهداء ، وقد نصب الميزان ، وتطايرت الصّحف ، واجتمعت الخصوم ، وتعلّق كلّ غريم بغريمه ، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب ، وكثر العطاش ، وقلّ الوارد ، ونصب الجسر للعبور عليه ، والنار تحطم بعضها بعضا تحته والساقطون فيها أضعاف أضعاف الناجين ، فينفتح فى قلبه عين ترى ذلك ، ويقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة يريه الآخرة ودوامها ،
__________________
(١) فى ا : تحديد.
(٢) فى ا ، ب الخلق وما أثبتناه أولى.