الإيمان ومعرفة تفاصيله وتنزّلها منازلها ما ليس فى الحضور ، فهو أكمل منه من هذا الوجه ، وفى الحضور من الجمعية وعدم التفرقة والدّخول فى الفناء ما قد ينفكّ عنه اليقين ، فاليقين خصّ بالمعرفة ، والحضور خصّ بالإرادة. والله أعلم.
وقال النّهرجورىّ (١) رحمهالله : إذا استكمل العبد حقائق اليقين صار البلاء عنده نعمة ، والرّخاء مصيبة.
وقال أبو بكر الورّاق رحمهالله : اليقين على ثلاثة أوجه : يقين خبر ، ويقين دلالة ، ويقين مشاهدة. يريد بيقين الخبر سكون القلب إلى خبر المخبر ووثوقه به ؛ ويقين الدّلالة ما هو فوقه ، وهو أن يقيم له مع وثوقه بصدقه (٢) الأدلّة الدّالّة على ما أخبر به ، وهذا كعامة الأخبار بالإيمان والتوحيد فى القرآن ، فإنّه سبحانه مع كونه أصدق القائلين الصّادقين يقيم لعباده الأدلّة والبراهين على صدق أخباره ، فيحصل لهم اليقين من الوجهين ، من جهة الخبر ومن جهة الدّليل ، فيرتفعون من ذلك إلى الدّرجة الثالثة وهى يقين المكاشفة بحيث المخبر به كالمرئى لعيونهم ، فنسبة الإيمان بالغيب هى إلى القلب كنسبة المرئى إلى العين وهذا أعلى أنواع المكاشفة ، وهى الّتى أشار إليها عامر بن عبد القيس فى قوله : لو كشف (٣) الغطاء ما ازددت يقينا. وليس هذا من كلام رسول الله
__________________
(١) هو أبو يعقوب إسحاق بن محمد النهرجورى مات بمكة مجاورا بها سنة ثلاثين وثلاثمائة ه.
(٢) فى ا ، ب : بصدق الأدلة وما أثبت يقتضيه السياق.
(٣) فى ا : كاشف.