على أنّ المراد بأئمة المسلمين الولاة عليهم ، وهو الّذى فهمه جمهور العلماء من الحديث. ويحتمل أن يكون المراد به الأئمة الذين هم علماء الدين كما قال جماعة من المفسّرين فى قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(١) إنّ المراد بأولى الأمر منكم العلماء ، فتكون نصيحتهم فى قبول ما رووه ، وتقليدهم فى الأحكام لمن ليست له أهليّة ، وإحسان الظنّ بهم (٢). ويمكن حمل أئمة المسلمين على المجموع من الامراء والعلماء ، بناء على القول بحمل المشترك على معنييه. والله أعلم.
وأما النّصيحة لعامّة المسلمين ، وهم من عدا ولاة الأمر (٣) الأمراء والعلماء على هذا الاحتمال ، فإرشادهم لمصالحهم فى آخرتهم ودنياهم ، وكفّ الأذى عنهم ، وستر عوراتهم وسدّ خلّاتهم ، ودفع المضارّ عنهم ، ورفع المسارّ (٤) إليهم ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص ، والشفقة عليهم ، وتنبيه غافلهم وتبصير جاهلهم ، ورفد (٥) محتاجهم ، وتوقير كبيرهم ، ورحمة صغيرهم ، وتحوّلهم (٦) بالموعظة الحسنة ، وترك غشّهم وحسدهم ، وأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لها. فبهذا التفصيل ظهر أن حصر الدّين فى النّصيحة على ظاهره ، وإن كان بعض ذلك فرض عين ، وبعضه فرض كفاية ، وبعضه سنّة ، كما هو الدّين أيضا / يشتمل على جميع ذلك. وفى هذا الحديث أنّ النصيحة تسمّى دينا
__________________
(١) الآية ٥٩ سورة النساء.
(٢) سقطت من ا.
(٣) فى ا : «ولاة الأمراء» وفى ب : «ولاة الأمر والعلماء».
(٤) فى ا ، ب : المشار ، وما أثبتناه أقرب إلى المراد.
(٥) رفد محتاجهم : إعانته وإعطاؤه ما يسد حاجته.
(٦) تحولهم بالموعظة : توخى الحال التى ينشطون فيها لقبول ذلك.