وقوله : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ)(١) فنفى الإنظار عنهم إشارة إلى ما نبّه عليه بقوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٢). وقوله : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(٣) أى غير منتظرين.
وقوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(٤) قال الزجّاج : فيه اختصار تقديره : أرنى نفسك انظر إليك. قال ابن عبّاس : أعطنى النّظر انظر إليك. فإن قيل كيف سأل الرؤية وقد علم أنّ الله لا يرى فى الدّنيا؟ قال الحسن : هاج به الشوق فسأل. وقيل : سأل ظنّا منه أنه يرى فى الدنيا فقال الله : لن ترانى ، أى فى الدّنيا أو فى الحال ، فإنّه كان يسأل الرّؤية فى الحال. ولن ليست للتأبيد كقوله (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً)(٥) ، ثم أخبر عنهم أنهم يتمنّون الموت فى الآخرة ، كما قال : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ)(٦) و (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ)(٧) ، ثمّ تعليق الرّؤية بممكن وهو استقرار الجبل يمنع استحالة الرّؤية.
ويستعمل النظر أيضا فى التّحيّر فى الأمر نحو قوله تعالى : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(٨) ، (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (٩) (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ)(١٠) ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ)(١١) كلّ ذلك نظر عن تحيّر دالّ على قلّة الغناء.
وقوله : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(١٢) ، قيل : تشاهدون ، وقيل : تعتبرون ، قال (١٣) :
__________________
(١) الآية ٢٩ سورة الدخان.
(٢) الآية ٣٤ سورة الأعراف.
(٣) الآية ٥٣ سورة الأحزاب.
(٤) الآية ١٤٣ سورة الأعراف.
(٥) الآية ٩٥ سورة البقرة.
(٦) الآية ٧٧ سورة الزخرف.
(٧) الآية ٢٧ سورة الحاقة.
(٨) الآية ٥٥ سورة البقرة.
(٩) الآية ١٩٨ سورة الأعراف.
(١٠) الآية ٤٥ سورة الشورى.
(١١) الآية ٤٣ سورة يونس.
(١٢) الآية ٥٠ سورة البقرة.
(١٣) هو لبيد كما فى الأساس (يهل).