ولأنّه تصرّف في ملكه المختصّ ولم يتعلّق به حقّ غيره ، فلم يُمنع منه ، كما لو طبخ في داره أو خبز فيها ، فإنّه لا يُمنع منهما تحرّزاً من وصول دخانه إلى جاره وإن تأذّى به ، كذا هنا.
وقال أحمد في الرواية الأُخرى : إنّه يُمنع من ذلك كلّه ـ وهو قول بعض الحنفيّة ـ لقوله عليهالسلام : « لا ضرر ولا إضرار » (١) وهذا الفعل يضرّ بجيرانه ، ولأنّ هذا إضرار بالجيران فمُنع منه ، كما يُمنع من إرسال الماء في ملكه بحيث يضرّ بجاره ويتعدّى إلى هدم حيطانه ، ومن إشعال نارٍ تتعدّى إلى احتراق الجيران (٢).
والجواب : الحديث مشترك ؛ لأنّ منع المالك عن عمل مصلحةٍ له في ملكه يعود نفعها إليه إضرار غير مستحقّ ، فالضرر مشترك ، وليس مراعاة أحدهما أولى من مراعاة الآخَر ، بل مراعاة المالك أولى ، والنار التي أضرمها والماء الذي أرسله تعدّيا فكان مرسلاً لذلك في ملك غيره ، فأشبه ما لو أرسلها إليه قصداً ، ولأنّ ذلك غير عامٍّ ؛ إذ الممنوع منه الإضرام عند هبوب الرياح بحيث يعلم التعدّي ، وليس ذلك دائماً ، فلهذا مُنع. وكذا إرسال الماء على وجه الكثرة.
__________________
(١) تقدّم تخريجه في ص ٦٨ ، الهامش (١).
(٢) المغني ٥ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٥٠ ، البيان ٦ : ٢٤٢.