وسلختها ، وأمرتها أن تخبز ، وتطبخ ، وتشوي ، فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقلت : بأبي أنت وأمي ـ يا رسول الله ـ قد فرغنا ، فاحضر مع من أحببت ، فقام صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى شفير الخندق ، ثم قال : «يا معاشر المهاجرين والأنصار ، أجيبوا جابرا» قال جابر : وكان في الخندق سبع مائة رجل ، فخرجوا كلّهم ، ثم لم يمرّ بأحد من المهاجرين والأنصار إلا قال : «أجيبوا جابرا». قال جابر : فتقدّمت ، وقلت لأهلي : قد ـ والله ـ أتاك محمد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما لا قبل لك به. فقالت : أعلمته أنت بما عندنا؟ قلت : نعم. قالت : فهو أعلم بما أتى.
قال جابر : فدخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنظر في القدر ، ثم قال : «اغرفي ، وأبقي». ثم نظر في التنّور ، ثم قال : «أخرجي ، وأبقي» ، ثم دعا بصحفة (١) ، فثرد فيها ، وغرف ، فقال : «يا جابر ، أدخل علي عشرة». فأدخلت عشرة ، فأكلوا حتى تملؤوا ، وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : «يا جابر ، عليّ بالذراع». فأتيته بذراع ، فأكلوه ، ثم قال : «ادخل علي عشرة». فأدخلتهم ، فأكلوا حتى تملؤوا ، ولم ير في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : «عليّ بالذراع» فأكلوا ، ثم قال : «ادخل علي عشرة». فأدخلتهم ، فأكلوا حتى تملؤوا ، ولم ير في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : «يا جابر ، عليّ بالذراع». فأتيته ، فقلت : يا رسول الله ، كم للشاة من ذراع؟ قال : «ذراعان». فقلت : والذي بعثك بالحق نبيا ، لقد أتيتك بثلاثة. فقال : «أما لو سكت ـ يا جابر ـ لأكل الناس كلهم من الذراع». قال : «يا جابر ، أدخل عشرة». فأقبلت أدخل عشرة عشرة ، فيأكلون ، حتى أكلوا كلهم ، وبقي لنا ـ والله ـ من ذلك الطعام ما عشنا به أياما.
__________________
(١) الصحفة : إناء كالقصعة المبسوطة. «النهاية : ج ٣ ، ص ١٣».