قال : وحفر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الخندق ، وجعل له ثمانية أبواب ، وجعل على كل باب رجلا من المهاجرين ، ورجلا من الأنصار ، مع جماعة يحفظونه ، وقدمت قريش ، وكنانة ، وسليم ، وهلال ، فنزلوا الزغابة (١) ، ففرغ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيام.
وأقبلت قريش ، ومعهم حييّ بن أخطب ، فلما نزلوا العقيق جاء حيي بن أخطب إلى بني قريظة في جوف الليل ، وكانوا في حصنهم قد تمسّكوا بعهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فدقّ باب الحصن ، فسمع كعب بن أسد قرع الباب ، فقال لأهله : هذا أخوك قد شأم قومه ، وجاء الآن يشأمنا ، ويهلكنا ، ويأمرنا بنقض العهد بيننا وبين محمد ، وقد وفى لنا محمد ، وأحسن جوارنا. فنزل إليه من غرفته ، فقال له : من أنت؟ قال : حيي بن أخطب ، قد جئتك بعز الدهر. قال : كعب : بل جئتني بذل الدهر. فقال : يا كعب ، هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق ، مع حلفائهم من كنانة ، وهذه فزارة ، مع قادتها وسادتها قد نزلت الزغابة ، وهذه سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بني ذبيان ، ولا يفلت محمد وأصحابه من هذا الجمع أبدا ، فافتح الباب ، وانقض العهد الذي بينك وبين محمد. فقال كعب : لست بفاتح لك الباب ، ارجع من حيث جئت. فقال حيي : ما يمنعك من فتح الباب إلا جشيشتك (٢) التي في التنور ، تخاف أن أشركك فيها ، فافتح فإنك آمن من ذلك. فقال له كعب : لعنك الله ، لقد دخلت علي من باب دقيق. ثم قال : افتحوا له الباب. ففتحوا له ، فقال : ويلك ـ يا كعب ـ انقض العهد الذي بينك وبين محمد ، ولا ترد رأيي ، فإن محمدا لا يفلت من هذا الجمع أبدا ، فإن فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله أبدا.
__________________
(١) زغابة : موضع قرب المدينة. «معجم البلدان : ج ٣ ، ص ١٤١».
(٢) الجشيش : السويق ، الواحدة جشيشة. وحنطة تطحن جليلا فتجعل في قدر ، ويجعل فيها لحم أو تمر ، فيطبخ. «أقرب الموارد ـ جشّ ـ ج ١ ، ص ١٢٤».