قال : فاجتمع كل من كان في الحصن من رؤساء اليهود ، مثل : غزال بن شمول ، وياسر بن قيس ، ورفاعة بن زيد ، والزبير بن باطا ، فقال لهم كعب : ما ترون؟ قالوا : أنت سيدنا ، والمطاع فينا ، وصاحب عهدنا وعقدنا ، فإن نقضت نقضنا ، وإن أقمت أقمنا معك ، وإن خرجت خرجنا معك. فقال الزبير بن باطا ـ وكان شيخا كبيرا مجرّبا ، قد ذهب بصره ـ : قد قرأت التوراة التي أنزلها الله في سفرنا بأنه يبعث نبي في آخر الزمان ، يكون مخرجه بمكة ، ومهاجرته إلى المدينة في هذه البحيرة (١) يركب الحمار العري (٢) ، ويلبس الشملة (٣) ، ويجتزىء بالكسيرات والتميرات ، وهو الضحوك القتّال ، في عينيه الحمرة ، وبين كتفيه خاتم النبوّة ، يضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر ، فإن كان هذا هو فلا يهوّلنه هؤلاء وجمعهم ، ولو ناوأته هذه الجبال الرواسي لغلبها.
فقال حيي : ليس هذا ذاك ، ذاك النبي من بني إسرائيل ، وهذا من العرب ، من ولد إسماعيل ، ولا يكون بنو إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل أبدا ، لأن الله قد فضّلهم على الناس جميعا ، وجعل فيهم النبوّة والملك ، وقد عهد إلينا موسى ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، وليس مع محمد آية ، وإنما جمعهم جمعا ، وسحرهم. ويريد أن يغلبهم بذلك ، فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتى أجابوه ، فقال لهم : أخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمد. فأخرجوه ، فأخذه حيي بن أخطب ومزّقه ، وقال : قد وقع الأمر ، فتجهّزوا وتهيأوا للقتال.
__________________
(١) البحرة : البلدة ، والبحيرة : مدينة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو تصغير البحرة. «النهاية : ج ١ ، ص ١٠٠».
(٢) أي الخالي من السرج.
(٣) الشملة : كساء يشتمل به الرجل. «مجمع البحرين ـ شمل ـ ج ٥ ، ص ٤٠٤».