ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.
قال أبو قرّة : فإنه يقول : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام : «إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى ، حيث قال : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) يقول : ما كذب فؤاده ما رأت عيناه ، ثم أخبر بما رأى ، فقال : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) ، فآيات الله غير الله ، وقد قال الله عزوجل : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ، ووقعت المعرفة.
فقال أبو قرّة : فتكذب بالروايات؟ فقال أبو الحسن عليهالسلام : «إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ، وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء (١).
وقال حبيب السّجستاني : سألت أبا جعفر عليهالسلام ، عن قوله عزوجل : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) ، فقال لي : «يا حبيب ، لا تقرأها هكذا ، اقرأ : ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين في القرب أو أدنى فأوحى إلى عبده ـ يعني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ما أوحى).
يا حبيب إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما افتتح مكة أتعب نفسه في عبادة الله عزوجل والشكر لنعمه في الطّواف بالبيت ، وكان علي عليهالسلام معه ، فلمّا غشيهما الليل انطلقا إلى الصفا والمروة يريدان السعي ، قال : فلما هبطا من الصفا إلى المروة ، وصارا في الوادي دون العلم الذي رأيت ، غشيهما من السماء نور ، فأضاءت لهما جبال مكة ، وخشعت أبصارهما ، قال : ففزعا لذلك فزعا شديدا ، قال : فمضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى ارتفع عن الوادي ، وتبعه علي عليهالسلام ، فرفع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رأسه إلى السماء ، فإذا هو برمانتين على
__________________
(١) الكافي : ج ١ ، ص ٧٤ ، ح ٢.