ولقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (١).
والإصرار على بعض المعاصي من الكبائر ، وهو غير مجتنب (٢) ، والآية تدل على عدم المغفرة مع عدم اجتناب الكبائر ، ولقوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٣) والمصر غير متّق.
فصل [في بيان الإحباط وكيفيته]
ومن لم يتب من المعصية الكبيرة الغير مخرجة من الملة وفعل طاعة ـ سقط القضاء إجماعا ، ولم تسقط هي شيئا من عقاب عصيانه ، وفاقا لأبي علي ، والإخشيدية (٤) المهدي عليهالسلام ، والبهشمية ، وادعى القاضي جعفر الإجماع : بل فعل الطاعة يسقط بقدرها (٥) من عقاب عصيانه لقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٦).
قلنا : [ذلك عام] مخصص بقوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٧) فلو كانت
__________________
(١) النساء : ٣١.
(٢) يحتمل أن يكون المعنى ، والمصر غير مجتنب لجميع الكبائر ؛ لأنه مصر على بعضها. وأن يكون المعنى : والإصرار غير مجتنب ، فالمصر فاعل لكبيرة ، وهي الإصرار ، فليس بمجتنب لجميع الكبائر ، فلا تكفر عنه سيئاته.
(٣) المائدة : ٢٧.
(٤) وهنا فرق بين قول أبي علي والإخشيدية ، فالإخشيدية تقول : تقع الموازنة بين الفعل ، وبين المستحق الذي هو الثواب والعقاب ، فيكون الساقط هو الفعل ، والمسقط هو المستحق فينحبط فعل الطاعة بالعقاب المستحق للمعصية ، ويتكفر فعل المعصية بالثواب المستحق على الطاعة.
وأما أبو علي فيقول : تقع الموازنة بين الفعلين فعل الطاعة وفعل المعصية ، ولا مدخل للمستحقين في إحباط ولا تكفير.
(٥) ش خ (بل فعل طاعته مسقط بقدرها).
(٦) الزلزلة ٧ ـ ٨.
(٧) المائدة : ٢٧.