فصل [في أحكام اللطف]
وما يفعله الله تعالى قطعا لا يقال : بأنه واجب عليه تعالى لإيهامه التكليف ، ولأن الطاعات شكر لما يأتي إنشاء الله تعالى. والثواب تفضل محض.
ولأن خلقه للحيوان كإحضار قوم محتاجين إلى الطعام ، وإعداده للجزاء كنصب مائدة سنيّة ، وامتحانهم كجعل الطريق إليها ، وتمكين المكلف كتيسير تلك الطريق ، وفعل الألطاف كنصب العلامات كي لا يسلك غيرها ، وإرسال الرسل كالنداء إليها ، وقبول توبة التائبين كإعتاب من أباها.
فكما أن فعل ذلك تفضل في العقل فكذا هذه.
وأما التناصف فهو بعد كون ثبوت التخلية من الامتحان مزيد تفضل محض.
لأن الامتحان تفضل كما مر فهي حسنة كالفصد ، ولا شيء على الفاصد ضرورة غير الفعل المطلوب منه إذا كان بصيرا ؛ لأنه محسن عند العقلاء ، و (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (١).
بعض المعتزلة [وغيرهم] : بل يجب على الله تعالى. بعضهم : جميع ما ذكر (٢) ، وبعضهم : بل بعضه (٣).
لنا : ما مر.
قالوا : قال تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (٤).
__________________
(١) التوبة : ٩١.
(٢) وهؤلاء هم جمهور المعتزلة ، فقالوا : يجب ستة أمور ١ ـ اللطف للمتلطفين. ٢ ـ العوض للمؤلمين ٣ ـ الانتصاف للمظلومين من الظالمين ٤ ـ قبول توبة التائبين ٥ ـ الإثابة للمطيعين ٦ ـ التمكين للمكلفين.
وقال بعضهم يجب ثمانية ، الستة المتقدمة و: ٧ ـ نصرة المظلومين ٨ ـ وبعثة المستحقين.
(٣) كقول بشر بن المعتمر ومتابعيه : أنه لا يجب على الله تعالى بعد التكليف إلا التمكن.
(٤) الأنعام : ٥٤.