يَأْتِيكُما) تأويله (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) فيه حث على إيمانهم ثم قواه بقوله (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ) دين (قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ) تأكيد (كافِرُونَ) (٣٧) (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ) ينبغي (لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ) زائدة (شَيْءٍ) لعصمتنا (ذلِكَ) التوحيد (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) وهم الكفار (لا يَشْكُرُونَ) (٣٨) لله فيشركون ثم صرح بدعائهما إلى الإيمان فقال (يا صاحِبَيِ) ساكني (السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٣٩) خبر استفهام تقرير (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ) أي غيره (إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) سميتم بها أصناما (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها) بعبادتها (مِنْ سُلْطانٍ) حجة وبرهان (إِنِ) ما (الْحُكْمُ) القضاء (إِلَّا لِلَّهِ) وحده (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ) التوحيد (الدِّينُ الْقَيِّمُ) المستقيم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) وهم الكفار (لا يَعْلَمُونَ) (٤٠) ما يصيرون إليه من العذاب فيشركون (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) أي الساقي فيخرج بعد ثلاث (فَيَسْقِي
____________________________________
أن من معجزاته الإخبار بالمغيبات ، وهذا مثل معجزة عيسى حيث قال : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) فقالا ليوسف : هذا من علم العرافين والكهنة ، فمن أين لك هذا العلم؟ قوله : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) إلخ. قوله : (فيه حث) أي تعريض لطلب الإيمان.
قوله : (إِنِّي تَرَكْتُ) المراد بالترك عدم التلبس بالشيء من أول الأمر. قوله : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي) لما بين أنه ادعى النبوة وأظهر المعجزة ، بين هنا أنه لا غرابة في ذلك لأنه من بيت النبوة ، لأن إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، كانوا مشهورين بالرسالة ، وذكر الفخر الرازي أنه نبىء في السجن ، ولا مانع أنه نبىء قبل الأربعين ، كيحيى وعيسى ، وذلك لأن اخوته رموه في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، ومكث تحت يد العزيز ثلاث عشرة سنة ، ومن جملتها مدة السجن ، فتكون الجملة ثلاثين سنة.
قوله : (ما كانَ لَنا) أي لا يصح ولا يليق منا معاشر الأنبياء ، أن نشرك بالله شيئا ، مع اصطفائه لنا وانعامه علينا بأنواع النعم ، وهذا تعريض لهم بترك ما هم عليه من الشرك كأنه قال : لا يصح للعبد الضعيف العاجز المفتقر أن يعبد غير من هو مفتقر إليه ومنعم عليه. قوله : (لعصمتنا) أي فليس المراد أنه حرم ذلك عليهم ، بل المراد أنه طهرهم من الكفر. قوله : (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) أي بالوحي ، وقوله : (وَعَلَى النَّاسِ) أي بإرشادهم.
قوله : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) قدر المفسر (ساكني) إشار إلى أن الإضافة لأدنى ملابسة ، ويصح أن يكون المعنى يا صاحبي في السجن ، فالإضافة للظرف. قوله : (مُتَفَرِّقُونَ) أي من ذهب وفضة وحديد وخشب وحجارة وغير ذلك. قوله : (ما تَعْبُدُونَ) خطاب لأهل السجن جميعا. قوله : (سَمَّيْتُمُوها) أي فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة ، والمعنى أنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه للألوهية عقل ولا نقل ، ثم أخذتم تعبدونها. قوله : (المستقيم) أي الذي لا اعوجاج فيه. قوله : (ما يصيرون) قدره إشارة إلى أن مفعول يعلمون محذوف.
قوله : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) هذا شروع في تعبير رؤياهما. قوله : (فيخرج بعد ثلاث) أي من