امرأته فوجدها عذارء وولدت له ولدين وأقام العدل بمصر ودانت له الرقاب (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦) (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) من أجر الدنيا (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٥٧) ودخلت سنو القحط وأصاب أرض كنعان والشام (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) إلا بنيامين
____________________________________
القحط ، فهلك في السنة الأولى من سني القحط ، كلما أعدوه في السنين المخصبة ، فجعل أهل مصره يبتاعون الطعام من يوسف ، فباعهم في السنة الأولى بالنقود ، حتى لم يبق بمصر درهم ولا دينار إلا أخذه منهم ، وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر ، حتى لم يبق بمصر في أيدي الناس منهما شيء ، وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي والأنعام ، حتى لم تبق دابة ولا ماشية إلا احتوى عليها ، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والجواري ، حتى لم يبق بأيدي الناس عبد ولا أمة ، وباعهم في السنة الخامسة بالضياع والعقار ، حتى أتى عليها كلها ، وباعهم في السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم ، وباعهم في السنة السابعة برقابهم ، حتى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا ملكه ، فصاروا جميعا عبيدا ليوسف عليهالسلام ، فقال أهل مصر : ما رأينا كاليوم ملكا أجل ولا أعظم من يوسف ، فقال يوسف للملك : كيف رأيت صنع الله بي فيما خولني ، فما ترى في هؤلاء؟ قال الملك : الرأي رأيك ونحن لك تبع ، قال : فإني أشهد الله وأشهدك ، أني قد أعتقتهم عن آخرهم ، ورددت عليهم أملاكهم ، ولم يزل يوسف يدعو الملك إلى الإسلام ويتلطف به ، حتى أسلم هو وكثير من الناس ، ومات في حياة يوسف ، وأما العزيز فلم يثبت إسلامه. قوله : (ومات بعد) أي مات العزيز بعد عزله. قوله : (فزوجه امرأته) أي بعد أن ذهب مالها ، وعمي بصرها من بكاءها على يوسف ، فصارت تتكفف الناس ، وكان يوسف يركب في كل أسبوع في موكب زهاء مائة الف من عظماء قومه ، فقيل لها : لو تعرضت له لعله يسعفك بشيء ، فلما ركب في موكبه ، قامت فنادت بأعلى صوتها : سبحان من جعل الملوك عبيدا بمعصيتهم ، وجعل العبيد ملوكا بطاعتهم ، فقال يوسف : ما هذه؟ فقدمت إليه فعرفها ، فرق لها وبكى بكاء شديدا ، ثم دعاها للزواج ، وأمر بها ، فهيئت ثم زفت إليه ، فقام يوسف يصلي ويدعو الله وقامت وراءه ، فسأل الله تعالى أن يعيد لها شبابها وجمالها وبصرها ، فرد الله عليها ذلك ، حتى عادت أحسن ما كانت يوم راودته ، إكراما له عليهالسلام لما عف عن محارم الله ، فأصابها فإذا هي عذراء فعاشا في أرغد عيش. روي أن الله ألقى في قلب يوسف محبتها أضعاف ما كان في قلبها ، فقال لها : ما شأنك لا تحبيني كما كنت أول مرة؟ فقالت : لما ذقت محبة الله ، شغلني ذلك عن كل شيء. قوله : (ولدين) أي وبنتا. قوله : (ودانت له الرقاب) أي خضعت له الناس.
قوله : (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) أي نخص بنعمتنا من أردنا. قوله : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي بل نضاعفه لهم. قوله : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) اللام موطئة لقسم محذوف. قوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي اتصفوا بالإيمان ، قوله : (وَكانُوا يَتَّقُونَ) أي يمتثلون الأوامر ويجتنبون النواهي. قوله : (ودخلت سنو القحط) إلخ ، قدر ذلك إشارة إلى أن قوله : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) مرتب على محذوف ، أي سبب مجيئهم ، أنه لما فرغت سنو الخصب ، وأتت سنو القحط والجدب ، واحتاجت الناس للطعام ، فبلغ يعقوب أن بمصر ملكا يبيع الطعام للمحتاجين ، فبعثهم ليبتاعوا منه.
قوله : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) وكانوا عشرة ، وكان مسكنهم بالعربات من أرض فلسطين ، وهي