ليمتاروا لما بلغهم أن عزيز مصر يعطي الطعام بثمنه (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ) أنهم إخوته (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٥٨) لا يعرفونه لبعد عهدهم به وظنهم هلاكه ، فكلموه بالعبرانية فقال كالمنكر عليهم : ما أقدمكم بلادي؟ فقالوا : للميرة ، فقال : لعلكم عيون ، قالوا : معاذا الله ، قال : فمن أين أنتم ، قالوا : من بلاد كنعان ، وأبونا يعقوب نبي الله ، قال : وله أولاد غيركم؟ قالوا : نعم ، كنا اثني عشر فذهب أصغرنا هلك في البرية وكان أحبنا إليه ، وبقي شقيقه فاحتبسه ليتسلى به عنه ، فأمر بإنزالهم وإكرامهم (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) وفي لهم كيلهم (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) أي بنيامين لأعلم صدقكم فيما قلتم (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) أتمه من غير بخس (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) (٥٩) (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي) أي ميرة (وَلا تَقْرَبُونِ) (٦٠) نهي أو عطف على محل (فلا كيل) أي تحرموا ولا تقربوا (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) سنجتهد في طلبه منه (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) (٦١) ذلك (وَقالَ لِفِتْيانِهِ) وفي قراءة لفتيته : غلمانه (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ)
____________________________________
ثغور الشام ، وكانوا أهل بادية وإبل وشياه ، وحكمة ذهاب العشرة جميعا ، أنه بلغهم أن الملك لا يزيد الواحد عن حمل بعير ، قصدا للعدل بين الناس ، فغرضهم بذلك أن تكون الأحمال عشرة. قوله : (ليمتاروا) أي ليحملوا الميرة ، وهي الطعام المجلوب من بلد آخر. قوله : (لبعد عهدهم به) قال أبو صالح عن ابن عباس : كان بين أن ألقوه في الجب ، وبين دخولهم عليه ، اثنتان وعشرون سنة ، فلذا أنكروه لأنه كان على سرير الملك ، وكان على رأسه تاج الملوك وزي الملوك. قوله : (فقالوا للميرة) أي لأخذها. قوله : (لعلكم عيون) أي جواسيس تطلعون على عوراتنا وتخبرون بها أعداءنا.
قوله : (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) أي هيأ لهم الطعام وأكرمهم في النزول وأحسن ضيافتهم ، وأعطاهم ما يحتاجون إليه في سفرهم. قوله : (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ) أي إن كنتم صادقين في ذلك ، فأنا أكتفي منكم بذلك ، قالوا : إن أبانا يحزن لفراقه ، قال : فاتركوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني به ، فاعترفوا فيما بينهم ، فأصابت القرعة شمعون فخلفوه عنده ، وقوله : (بِأَخٍ لَكُمْ) إنما لم يقل بأخيكم زيادة في الإبهام ، وذلك للفرق بين قولك : رأيت غلامك وغلاما لك ، فإن الأول يقتضي أن عندك به نوع معرفة دون الثاني.
قوله : (أَلا تَرَوْنَ) الخ غرضه بذلك الترغيب في العود مرة أخرى. قوله : (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) أي خير من يكرم الضيفان. قوله : (فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي) أي إذا وعدتم مرة أخرى. قوله : (أي ميرة) أشار بذلك إلى أن المراد بالكيل المكيل. قوله : (نهي) أي والفعل مجزوم بحذف النون ، وحذفت ياء المتكلم تخفيفا ، وهذه النون للوقاية. قوله : (أو عطف على محل : فلا كيل) أي وهو الجزم لأنه جواب الشرط ، وحينئذ فلا نافية ونون الرفع محذوفة للجازم على كل حال ، وعليه فيكون المعنى : فلا كيل ولا قرب. قوله : (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) (ذلك) أي المراودة والاجتهاد قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا ، وكل من فتيته وفتيانه جمع لفتى ، لكن الأول جمع قلة ، والثاني جمع كثرة.
قوله : (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ) أي فقد وكل بكل رجل واحدا من غلمانه ، ويضع فيه