إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) بأن تموتوا أو تغلبوا فلا تطيقوا الإتيان به فأجابوه إلى ذلك (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) بذلك (قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ) نحن وأنتم (وَكِيلٌ) (٦٦) شهيد وأرسله معهم (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا) مصر (مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) لئلا تصيبكم العين (وَما أُغْنِي) أدفع (عَنْكُمْ) بقولي ذلك (مِنَ اللهِ مِنْ) زائدة (شَيْءٍ) قدره عليكم وإنما ذلك شفقة (إِنِ) ما (الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وحده (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) به وثقت (وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (٦٧) قال تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) أي متفرقين (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ) أي قضائه (مِنْ) زائدة (شَيْءٍ إِلَّا) لكن (حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) وهي إرادة دفع العين شفقة
____________________________________
مصر ، فأقرئوه مني السّلام وقولوا له : إن أبانا يصلي عليك ، ويدعو لك بما أوليتنا. قوله : (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) أي على أحمالنا. قوله : (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) هذا هو جواب القسم. قوله : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) استثناء من عموم الأحوال ، والتقدير لتأتنني به في كل حال ، إلا حال الإحاطة بكم.
قوله : (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) أي بقولهم : بالله رب محمد لنأتينك به ، والموثق العهد المؤكد باليمين قوله : (مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) أي وكانت أبواب مصر إذ ذاك أربعة. قوله : (لئلا تصيبكم العين) إنما خاف عليهم العين ، لكمالهم وقوتهم واشتهارهم بين أهل مصر ، بإكرام الملك لهم واحترامهم ، فأمرهم بالتفرق ليسلموا من إصابة العين ، فإنها كما قال أهل السنة ، سبب عادي للضرر كالسم والسيف ، يوجد الضرر عندها لا بها ، وقالت الفلاسفة : إن العائن ينبعث من عينه قوة سمية نتصل بالمعيون ، فيهلك أي يفسد ، فأثبتوا للعين تأثيرا بنفسها ، وهو كلام باطل واعتقاده كفر ، وأعظم نافع في الرقى من العين سورتا المعوذتين.
قوله : (مِنَ اللهِ) أي من قضائه. قوله : (وإنما ذلك) أي القول قوله : (شفقة) أي رأفة بكم ، إن قلت : لم أمرهم بذلك في هذه المرة ، ولم يأمرهم في المرة الأولى؟ أجيب بجوابين : الأول لكون معهم بنيامين وهو عزيز عليه ، فخاف عليهم من أجل كونه معهم ، والثاني أنهم اشتهروا في مصر بأنهم أولاد رجل واحد ، وفيهم نور النبوة والشهامة والجمال ، سيما وقد كانوا عند الملك بمنزلة ، بخلاف المرة الأولى. قوله : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي فوضت أموري واعتمدت عليه ، لا على ما أمرتكم به ، لأن الأخذ في الأسباب مع التوكل ، أفضل من ترك الأسباب.
قوله : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) اختلف في جواب لما ، فقيل هو قوله : (ما كانَ يُغْنِي) إلخ ، والمعنى أن دخولهم من أبواب متفرقة لا يدفع عنهم مما قدره الله شيئا ، بل الدخول متفرقا كالدخول مجتمعا ، بالنسبة لقضاء الله ، وقيل هو قوله : (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) وهو جواب لما الثانية أيضا ، لأن المقصود بدخول المدينة الدخول على يوسف ، والمقصود به إيواء الأخ ، فلما الثانية مرتبة على لما الأولى ، فصلح أن يكون جوابهما واحدا. قوله : (مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) أي من أبواب متفرقة.
قوله : (ما كانَ يُغْنِي) أي يدفع عنهم التفرق ، ففاعل يغني ضمير يعود على التفرق. قوله : (إلّا حاجة) استثناء منقطع ولذا فسره بلكن ، والمعنى لم يكن تفرقهم دافعا عنهم من قدر الله شيئا ، لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها ، وهي دفع العين عنهم ، التي كانت تصيبهم عند دخولهم مجتمعين ، فإن التفرق في الدخول دفعها بإرادة الله. قوله : (لتعليمنا إياه) أشار بذلك إلى أن ما مصدية.