خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) لا شريك له في العبادة (وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١٦) لعباده ثم ضرب مثلا للحق والباطل فقال (أَنْزَلَ) تعالى (مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) بمقدار ملئها (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) عاليا عليه هو ما على وجهه من قدر ونحوه (وَمِمَّا يُوقِدُونَ) بالتاء والياء (عَلَيْهِ فِي النَّارِ) من جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس (ابْتِغاءَ) طلب (حِلْيَةٍ) زينة (أَوْ مَتاعٍ) ينتفع به كالأواني إذا أذيبث (زَبَدٌ مِثْلُهُ) أي مثل زبد السيل وهو خبثه الذي ينفيه الكير (كَذلِكَ) المذكور (يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) أي مثلهما (فَأَمَّا الزَّبَدُ) من السيل وما أوقد عليه من الجواهر (فَيَذْهَبُ جُفاءً) باطلا مرميا به (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) من الماء والجواهر (فَيَمْكُثُ) يبقى (فِي الْأَرْضِ) زمانا كذلك الباطل يضمحل وينمحق وإن علا على الحق في بعض الأوقات والحق ثابت باق (كَذلِكَ) المذكور (يَضْرِبُ) يبين (اللهُ الْأَمْثالَ) (١٧)
____________________________________
حتى يشتبه بخلق الله ، بل الكفار يعلمون بالضرورة ، أن هذه الأصنام لم يصدر عنها فعل ولا خلق ولا أثر أصلا ، وإذا كان كذلك ، فجعلهم إياها شركاء لله في الألوهية محض جهل وعناد.
قوله : (وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) أي المنفرد بالإيجاد والإعدام ، القاهر لعباده ، المختار في أفعاله فلا يسأل عما يفعل. قوله : (ثم ضرب مثلا) أي بينه ، والمراد بالمثل الجنس ، لأن المذكور للحق مثلا وللباطل كذلك. قوله : (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ) أي أنهار جمع واد ، وهو الموضع الذي يسيل فيه المال بكثرة ، وحينئذ فهو مجاز عقلي من إسناد الشيء لمكانه ، والأصل فسال الماء في الأودية. قوله : (بِقَدَرِها) بفتح الدال باتفاق السبعة ، وقرىء شذوذا بسكونها. قوله : (بمقدار ملئها) أي ما يملأ كل واحد بحسبه ، صغرا وكبرا. قوله : (زَبَداً) الزبد ما يظهر على وجه الماء من الرغوة ، أو على وجه القدر عند غليانه ، وقد تم المثل الأول.
قوله : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ) الجار والمجرور خبر مقدم ، و (زَبَدٌ) مثله مبتدأ مؤخر. قوله : (بالتاء والياء) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (فِي النَّارِ) متعلق بتوقدون ، وقوله : (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) علة لتوقدون. قوله : (كالأواني) أي والمسكوك الذي ينتفع به الناس في معايشهم. قوله : (زَبَدٌ مِثْلُهُ) أي في كونه يصعد ويعلو على أصله. قوله : (الكير) هو منفاخ الحداد ، وأما الكور فهو الموضع الذي توقد فيه النار كالكانون. قوله : (المذكور) أي من الأمور الأربعة التي للحق والباطل.
قوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ) لف ونشر مشوش. قوله : (مرميا به) أي يرميه الماء إلى الساحل ، ويرميه الكير فلا ينتفع به. قوله : (والحق ثابت) أي ماكث ، كما أن الماء والجوهر ثابتان ، وإنما يرمى بزبدهما ، والمعنى أن مثل الباطل ، كمثل الرغوة التي تعلو على وجه الماء ، وخبث الجوهر الذي يصعد على وجهه عند نفخ النار عليه ، ومثل الحق ، كمثل الماء الصافي والجوهر الصافي ، كما أن الرغوة في كل لا قرار لها ولا ينتفع بها بل ترمى ، كذلك الباطل يضمحل ولا يبقى ، والحق ثابت ينتفع به ، كالجوهر والماء الصافيين ، وفي هذه الآية بشرى للأمة المحمدية ، بأنها ثابتة على الحق ، لا يضرهم من خالفهم في العقائد ، بل وإن علا وارتفع لا بد من اضمحلاله وزواله. قوله : (يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) أي لإرشاد عبيده باللطف والرفق ،