(طُوبى) مصدر من الطيب أو شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها (لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (٢٩) مرجع (كَذلِكَ) كما أرسلنا الأنبياء قبلك (أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا) تقرأ (عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي القرآن (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) حيث قالوا لما أمروا بالسجود له وما الرحمن (قُلْ) لهم يا محمد (هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) (٣٠). ونزل لما قالوا له إن كنت نبيا فسير عنا جبال مكة واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا لنغرس ونزرع وابعث لنا آباءنا الموتى يكلمونا أنك نبي (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) نقلت
____________________________________
قوله : (طُوبى) أصله طيبى ، وقعت الياء ساكنة بعد ضمة ، قلبت واوا ، والمعنى عيشة طيبة لهم ، وقد فسرت في آية أخرى بقوله تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ قُطُوفُها دانِيَةٌ). قوله : (أو شجرة في الجنة) أي وأصلها في دار النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي كل دار وغرفة في الجنة ، منها غصن لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد ، ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها ينبع من أصلها عينان : الكافور والسلسبيل ، كل ورقة منها تظل أمة ، ثياب أهل الجنة تخرج منها أكمامها ، فتنبت الحلل والحلي ، ويخرج منها الخيل المسرجة الملجمة ، والإبل برحالها وأزمتها ، وما ذكره المفسر في تفسير طوبى قولان من أقوال كثيرة ، وقيل إنه دعاء من الله لهم ، والتقدير طيب عيشكم ، وقيل غير ذلك. قوله : (وَحُسْنُ مَآبٍ) أي ولهم حسن مرجع ومنقلب في الآخرة وهي الجنة.
قوله : (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ) هذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، أي فلا تحزن على عدم إيمان قومك ، فإننا أرسلنا الأنبياء إلى قومهم فكفروا ولم يطيعوا ، فليس من كذبك بأول مكذب. قوله : (فِي أُمَّةٍ) أي إلى أمة. قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) أي سبقت ومضت. قوله : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) الجملة حالية. قوله : (لما أمروا بالسجود له) أي كما ذكره في سورة الفرقان بقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) وهذا القول منهم على سبيل العناد ، ويسمى عند أرباب المعاني تجاهل العارف ، فإن الرحمن هو المنعم على عباده ، وهم يشاهدون نعمه عليهم ، ومع ذلك قالوا : (وما الرحمن) وهذا كقول فرعون (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ).
قوله : (هُوَ رَبِّي) أي الرحمن الذي أنكرتموه هو خالقي. قوله : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي فوضت أموري إليه. قوله : (مَتابِ) أي توبتي ومرجعي. قوله : (ونزل لما قالوا) أي كفار مكة منهم : أبو جهل وعبد الله بن أمية ، جلسوا خلف الكعبة ، وأرسلوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأتاهم ، وقيل إنه مر بهم وهم جلوس ، فدعاهم إلى الله ، فقال عبد الله بن أمية : إن سرك أن نتبعك ، فسير جبال مكة بالقرآن فادفعها عنا حتى تفسح ، فإنها أرض ضيقة لمزارعنا ، واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا ، لنغرس الأشجار ونزرع ونتخذ البساتين ، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود ، حيث سخر له الجبال تسير معه ، أو سخر لنا الريح لنركبها إلى الشام لميرتنا وحوائجنا ونرجع في يومنا ، كما سخرت لسليمان الريح كما زعمت ، فلست أهون على ربك سليمان ، وأحي لنا جدك قصيا ، فإن عيسى كان يحيي الموتى ، ولست بأهون على الله منه ؛ فنزلت هذه الآية.