عن أماكنها (أَوْ قُطِّعَتْ) شققت (بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) بأن يحيوا لما آمنوا (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) لا لغيره فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه دون غيره وإن أوتوا ما اقترحوا. ونزل لما أراد الصحابة إظهار ما اقترحوا طمعا في إيمانهم (أَفَلَمْ يَيْأَسِ) يعلم (الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ) مخففة أي أنه (لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) إلى الإيمان من غير آية (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا) بصنعهم أي كفرهم (قارِعَةٌ) داهية تقرعهم بصنوف البلاء من القتل والأسر والحرب والجدب (أَوْ تَحُلُ) يا محمد بجيشك (قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) مكة (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) بالنصر عليهم (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣١) وقد حل بالحديبية حتى أتى فتح مكة (وَلَقَدِ
____________________________________
قوله : (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) أي من خشية الله عند قراءته ، فجعلت أنهارا وعيونا. قوله : (لما آمنوا) جواب لو ، والمعنى لو فعل الله ما ذكر وأجابهم ، لم يحصل منهم إيمان ، لأن الله على علم عدم هداهم. قوله : (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) أي القدرة على كل شيء ، وهو إضراب عما تضمنته الجملة الشرطية من معنى النفي ، والمعنى بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه ، إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك ، لعلمه بأنهم لا يؤمنون. قوله : (وإن أوتوا ما اقترحوه) أي اعطوا ما طلبوه. قوله : (لما أراد الصحابة) إلخ ، أي فقالوا : يا رسول الله إنك مجاب الدعوة ، فاطلب لهم ما اقترحوا ، عسى أن يؤمنوا. قوله : (يعلم) يطلق اليأس على العلم في لغة هوازن ونخع لتضمنه معناه ، فإن الآيس من الشيء عالم بأنه لا يكون. قوله : (أَنَ) (مخففة) أي واسمها ضمير الشأن ، وجملة (لَوْ يَشاءُ) إلخ ، خبر أن.
قوله : (لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) أي ولكن لم يفعل ذلك لعدم تعلق مشيئته باهتدائهم. إن قلت : لم لم يجب الله نبيه بعين ما طلبوا ، كما أجاب صالحا في الناقة ، وعيسى في المائدة ، مع علمه بأنهم لا يؤمنون؟ أجيب : بأنه جرت عادة الله في عباده الكفار ، أنهم متى طلبوا شيئا من المعجزات ، وعاهدوا نبيهم على الإيمان عند مجيئها ولم يؤمنوا ، أنه يهلكهم ويقطع دابرهم عن آخرهم ، وقد أراد الله إبقاء هذه الأمة المحمدية ، وعدم استئصالها بالهلاك ، إكراما لنبيها ، فلم تحصل الإجابة بعين ما طلبوا رحمة بهم وإكراما لنبيهم.
قوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) إخبار من الله لنبيه بالنصر المرتب على صبره ، وقوله : (تصيبهم) خبر يزال. قوله : (بصنعهم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية تسبك ما بعدها بمصدر ، والباء سببية أي بسبب صنعهم. قوله : (قارِعَةٌ) التنوين للتنكير ، إشارة إلى أنها ليست مخصوصة بشيء معين ، بل هي عامة في كل ما يهلكهم. قوله : (تقرعهم) أي تهلكهم. قوله : (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً) معطوف على قارعة ، والمعنى تصيبهم بما صنعوا قارعة ، أو حلولك قريبا من دراهم ، والعطف يقتضي المغايرة فالمراد بالقارعة غير حلوله ، وإن كان من أعظم القوارع ، وهذا تسليه له صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى اصبر فإنك منصور ومؤيد ، وهم مخذولون ، فإن الدواهي مسلطة عليهم. قوله : (قَرِيباً) أي مكانا قريبا وهو الحديبية. قوله : (بالنصر عليهم) أي بفتح مكة. قوله : (وقد حل بالحديبية) أي مرتين : الأولى سنة ست حين أراد العمرة وبعث عثمان ، وقد صدوا النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين عن البيت ، فصالح الكفار النبي على أن يمكنوه من الدخول في السنة السابعة ، فدخلها واعتمر ، والثانية سنة ثمان ، حين أراد فتح مكة ، فإنه حل بها هو وجيشه ، وأمرهم أن