أقول : الفرق بين الوجهين لا يكاد أن يخفى ؛ فإنّه على الأوّل : لم يصدر حكم من الشّارع في حقّ الجاهل وإنشاء في مرحلة الظّاهر أصلا. وفي الثّاني : صدر إنشاء من الشّارع في حقّه بمقتضى أدلّة البراءة أو أصالة العدم.
(٢١٩) قوله قدسسره : ( لعدم الوجوب في بعضها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٨٤ )
أقول : المراد من البعض الّذي يكون إبطال وجوبه مقدّمة لا جوازه ، هو الاحتياط كما ستقف عليه مشروحا ؛ حيث أنّ بطلان تعيينه ، يكفي في الحكم بحجيّة الظّن ولا يتوقّف على بطلان جوازه ؛ فإنّ جوازه بل رجحانه يجامع انفتاح باب الظّن الخاصّ بل العلم التّفصيلي ، فضلا عن الظّن المطلق ؛ فإنّ حجيّة الظّن لا تنفي جواز إحراز الواقع بالاحتياط.
وهذا بخلاف سائر الأصول والطّرق المحتملة ؛ فإنّ جوازها ينافي حجيّة الظّن أمّا الأصول فظاهر ، وأمّا التّقليد ونحوه ؛ فإنّ حجيّة الظّن في حقّ المجتهد يوجب تمكّنه عن الاجتهاد في المسألة. فكيف يجوز له الأخذ بوظيفة العامي؟
ثمّ إنّ المقدّمة الرّابعة كما ترى ، بمنزلة الكبرى للقياس المركّب من الصّغرى الموقوفة على المقدّمات الثّلاثة ؛ فإنّه يثبت بمعونتها الدّوران بين الامتثال الظّني والشّكّي والوهميّ. وبمقتضى المقدّمة الرّابعة ؛ تثبت كبرى هذه الصّغرى ؛ فإنّ العقل يحكم حكما كليّا : بأنّه كلّما دار الأمر فيه بين الظّن والاحتمالين الآخرين يجب تقديم الظّن عليهما. فإذا انضمّت إلى الصّغرى المذكورة ، فيحصل من المجموع