كلام صاحب الفصول
وقال بعض أفاضل من قارب عصرنا ـ في تقريب الاستدلال ـ ما هذا لفظه : « وجه الدّلالة : أنّه تعالى علّق وجوب تبيّن النّبأ على مجيء الفاسق به ، فيدلّ بمفهومه على عدم وجوب التّبين عند مجيء العادل به. ومقتضاه جواز القبول ؛ لأنّ الأمر بطلب البيان ، إمّا كناية عن عدم جواز القبول ، أو مجاز عنه ، أو مخصوص بما لو أريد العمل بمقتضى نبأه فيكون وجوبه شرطيّا ، ويرجع إلى الوجه السّابق ، أو بمواضع خاصّة لا بدّ من التّبيّن فيها. منها : الواقعة التي نزلت الآية فيها ، حيث يجب فيها طلب البيان بمطالبتهم بالصّدقات ، فإن انقادوا إلى الحقّ وأدّوها تبيّن كذب النّبأ قضاء بظاهر الحال. وإن استنكفوا عنها وأظهروا التّمانع والمعاداة تبيّن صدقه ووجب التّهجّم على جهادهم. لكن هذا في الحقيقة راجع إلى طلب أمر مخصوص يحصل به البيان ، وليس بطلب نفس البيان حقيقة. وبالجملة : فلا بدّ من حمل الأمر بالتّبين على أحد هذه الوجوه ؛ للإجماع على عدم وجوب التّبين عند خبر الفاسق مطلقا.
وعلى هذا فما تداول في كتب القوم ـ في بيان وجه الاستدلال : من أنّه علّق وجوب تبيّن النّبأ على مجيء الفاسق به ، فعلى تقدير مجيء العادل به إمّا أن يجب القبول فهو المدّعى أو يجب الردّ ؛ فيلزم أن يكون العادل أسوأ حالا من الفاسق ـ غير مستقيم ؛ إذ مرجع الأمر بالتّبيّن فيما عدا الوجه الأخير إلى ردّ نبأه ، وفي الوجه الأخير يجب التبيّن في نبأ العادل أيضا وإنّما يتمّ ما ذكروه إذا حمل الأمر بالتّبيّن