فكون الأمر للفور لا يقتضي وجوبه الشرعي ، كما هو ظاهر.
وأمّا الروايتان : فقد عرفت أنّ ظاهرهما إرادة الترتيب من المتابعة.
هذا ، مع أنّ المتبادر من الأوامر المتعلّقة بكيفيّات العمل : الوجوب الشرطي لا الشرعي ، خصوصا مع شهادة سياق الروايتين بإرادة الشرطيّة ، بل وفي غيرهما من الروايات السابقة أيضا شهادة عليه ، كما لا يخفى على المتأمّل.
واعلم : أنّ مقتضى إطلاق المصنّف رحمهالله كغيره في تفسير الموالاة بأنّها هي أن يغسل كلّ عضو قبل أن يجفّ ما تقدّمه : إناطة البطلان بالجفاف مطلقا من دون فرق بين أن يكون الجفاف مسبّبا عن التأخير أم لأمر آخر ، كقلّة ماء الوضوء أو حرارة البدن أو الهواء ، أو غير ذلك ، فلو أتى بالأفعال متتابعة وحصل الجفاف في الأثناء لشيء من العوارض ، يجب عليه إعادة الوضوء ، إلّا أن يتعذّر إحراز الشرط ، لشدّة الحرارة أو غيرها من العوارض ، فيدخل حينئذ في مسألة أولي الأعذار.
إلّا أنّ الإنصاف عدم الوثوق بإرادتهم من العبارة ما استظهرناه ، بل الظاهر أنّ مرادهم بيان بطلان الوضوء بسبب الجفاف الحاصل من ترك التوالي لا غير ، فلو أتى بالأفعال متتابعة ، صحّ وضوؤه ، جفّ أو لم يجف ، فيكون المعتبر في صحّة الوضوء إمّا المتابعة الحقيقيّة أو عدم الجفاف ، كما نسب إلى الصدوقين (١).
__________________
(١) نسبه إليهما صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٥٣ ، وانظر : الفقيه ١ : ٣٥.