وقد اعترض (١) على المشهور ـ بعد اعترافه بعدم نقل الخلاف فيه ممّن عدا أبي حنيفة ـ بوجوه من النظر :
الأوّل : عدم الدليل عليه ، وهو دليل العدم.
وفيه ـ بعد الغضّ عن الإجماع ـ : أنّه يدلّ عليه في الجملة جملة من آيات الكتاب ، الدالّة على مؤاخذة الكفّار بظلمهم وقبائح أعمالهم.
قال الله تبارك وتعالى (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) فلولا أنّهم مكلّفون بالفروع وكانوا مرفوعي القلم بالنسبة إليها ـ كالبهائم والمجانين ـ وكانت المحرّمات والواجبات مباحة في حقّهم ، لما صحّ مؤاخذتهم ومسألتهم عن أعمالهم ، فوجب أن يكون لهم بالنسبة إلى أعمالهم تكاليف ، ولازمه على قواعد العدليّة أن يكون ما فيه حسن ملزم واجبا عليهم ، وما فيه قبح ملزم محرّما في حقّهم.
ويدلّ عليه أيضا أمّا في الأحكام التي يدرك العقل حسنها أو قبحها ـ كوجوب ردّ الوديعة وحرمة أكل مال الغير ـ فالعقل يحكم بعمومها لكلّ مكلّف ، وعدم اختصاصها بشخص دون شخص.
وفي معظم الأحكام التوصّليّة فيستفاد العموم من معلوميّة كون المقصود من الطلب صرف حصول متعلّقه في الخارج من عامّة المكلّفين.
وفي الأصول الضروريّة ـ مثل الصلاة والصوم والحجّ والزكاة ـ فيستفاد ذلك من الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّها ممّا افترضه على كافّة
__________________
(١) أي صاحب الحدائق الناضرة فيها ٣ : ٣٩ ـ ٤٣.
(٢) سورة الحجر ١٥ : ٩٢ و ٩٣.