«يفتحان المصحف ويقرءان من القرآن ما شاءا إلّا السجدة» لا يفهم منه إلّا أنّه يجوز لهما قراءة القرآن على الوجه الذي كانا يقرءانه في سائر الأحوال ، والعادة قاضية بأنّهما لو يكونا يقرءان القرآن في سائر الأحوال بعنوان أنّه فعل من أفعالهما المباحة ، فكيف يمكن تنزيل هذه الأخبار الكثيرة المطلقة على إرادة مثل هذا الفرض مع أنّه في بعض تلك الأخبار قارن القراءة بذكر الله ، الذي هو حسن في كلّ حال!؟
والذي يحسم مادّة الإشكال ويتّضح به حقيقة الحال فيما هو من نظائر المقام هو : أنّ النهي في مثل هذه الموارد لم يتعلّق بالعبادة لذاتها حتى يكون فعلها مبغوضا ومشتملا على منقصة مقتضية لطلب الترك ، كتوهين القرآن مثلا فيما نحن فيه حتى يمتنع كونها عبادة ، وإنّما تعلّق الطلب بتركها لأجل كون الترك ملزوما لعنوان وجوديّ راجح تكون مراعاته أهمّ بنظر الشارع من المصلحة المقتضية لطلب الفعل ، فإنّه كثيرا مّا يتعلّق الطلب بترك شيء ولكنّ المقصود منه ليس إلّا الأمر بإيجاد ما يلازم هذا الترك من الأفعال الوجوديّة ، كما لو نهى المولى عبده عن الخروج ولم يتعلّق غرضه إلّا بالبقاء لحفظ متاعه ، لا لكون الخروج في حدّ ذاته مبغوضا لديه ، بل ربما يكون الخروج في قضاء بعض حوائجه المهمّة أيضا محبوبا لديه ولكنّه ترك الأمر به مراعاة لحفظ المتاع الذي هو أهمّ في نظره ، فمناط الطلب في الخروج أيضا موجود ولكنّه ليس للمولى أن يطلب منه الخروج طلبا مطلقا ، لا للزوم اجتماع الأمر والنهي في الواحد الشخصي الذي أطبق العقلاء على استحالته ، لأنّ المفروض أنّ المراد من