شخص غائب قائما مقامه في دكّانه ملتزما بالقيام بالوظائف التي كانت عليه ـ كالإنفاق على زوجته وأولاده وحفظ أمواله ـ لا يعتزل عن عمله ما لم يعلم بموت موكّله ، بل لا يعهد عن عاقل رفع اليد عن شيء من هذه الأمور بمجرّد الاحتمال ، بل لا يعملون بالظنّ أيضا ما لم يكن من طريق عقلائي معتبر ، كإخبار الثقة ونحوه.
وكذا العبد المأمور بعمل مدّة حياة مولاه ليس له رفع اليد عن عمله المأمور به بمجرّد احتمال موت المولى ، أو عتقه ، أو فسخ عزمه ، أو غير ذلك من روافع التكليف ، بل لو تركه متعذّرا باحتمال موت المولى أو فسخ عزمه ، يعدّ عند العقلاء مثل هذا العبد سفيها.
هذا إذا احتمل رفع الحكم الثابت ، وأمّا لو احتمل ابتداء صدور حكم من مولاه ، أو ثبوت شيء يترتّب عليه حكم مولوي ، لا يجب عليه الالتفات إليه بحكم العرف وشهادة العقلاء ، وهذا هو الذي نسمّيه في الشرعيّات بالبراءة الأصليّة.
والوجه في ذلك كلّه ليس إلّا بناء العقلاء على عدم اعتدادهم بالشكّ أصلا ، وعدم ترتيب أثر الوجود على شيء إلّا بعد إحراز موضوعه ، ولذا لو سئلوا عن علّة بقائهم على ما كانوا عليه ، يعلّلون بعدم ثبوت خلافه.
فما يتوهّم من أنّ عمل العقلاء بالاستصحاب لأجل إفادته الظنّ بالبقاء ، مدفوع أوّلا : بأنّا نجد من أنفسنا أنّ علّة البقاء أوّلا وبالذات ليس إلّا عدم الاعتداد بالشكّ.
وثانيا : بما ذكرنا من أنّ العقلاء نراهم يعلّلون بقاءهم على ما كانوا