المكلّف الفعل المأمور به بنفسه لا بالتسبيب ، كما أنّه يتبادر من إسناد الفعل إلى الفاعل في الجملة الخبريّة ، نحو قولك : ضرب زيد عمروا : كون زيد بنفسه فاعلا ، ككون عمرو مفعولا ، فلا يجوز رفع اليد عمّا هو ظاهر الخطاب إلّا بقرينة داخليّة ، كما لو طلب منه فعلا ليس من شأنه صدوره من شخص الفاعل عادة إلّا بالتسبيب ، مثل ما لو كلّفه ببناء المساجد وحفر الآبار والأنهار. ومن هذا القبيل : قوله تعالى حاكيا عن فرعون (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) (١) أو بقرينة خارجيّة ، كما لو علم من الخارج أنّ مقصود الآمر ليس إلّا مجرّد حصول متعلّق الأمر في الخارج ، كما في الواجبات التوصّليّة.
وبهذا ظهر لك أنّه لا فرق فيما يتفاهم من الخطاب بين الأوامر التوصّليّة والتعبّديّة ، غاية الأمر أنّه علم من الخارج في التوصّليّات أنّ قيد المباشرة التي يستفاد من ظاهر الخطاب ليس قيدا لما تعلّق به غرضه في الواقع ، لا بمعنى أنّ القيد غير مراد من مدلول الخطاب ، بل بمعنى أنّ العقل بعد أن أدرك أنّ الغرض ليس إلّا حصول المتعلّق في الخارج يعمّم موضوع الواجب الواقعي بحيث يعمّ كلّ ما يحصل به غرض المولى ، فيكون المأمور به بالخطاب اللفظي أحد أفراد الواجب المخيّر بحكم العقل.
ألا ترى أنّه لو قال المولى لعبده : قم من مكانك وانطلق إلى المكان
__________________
(١) سورة غافر ٤٠ : ٣٦.