ولا يخفى ما في صدر كلامه من الإتقان لو لا ما تنازل في آخره وحاول الجمع بين الآيتين بتخصيص جواز الوصية لمن لا يرثان من الوالدين لسبب كالقتل والكفر والسرقة ، إذ لقائل أن يسأل الإمام أنّه إذا كان المراد من الوالدين والأقربين في آية الوصية هم الممنوعين من الوراثة ، فما معنى هذا التأكيد والعناية البارزة في الآية مع ندرة المصداق أو قلّته بالنسبة إلى غير الممنوعين ، أوَليس هذا أشبه بالتخصيص المستهجن فلا محيص عن القول بعموم الآية ، لكلّ والد ووالدة ، والأقربين ممنوعين كانوا أم غيرهم.
وأمّا ما يثيرون حول الإيصاء للوالدين من كونه سبباً لظهور العداء ، فقد مرّ جوابه في صدر البحث ، وهنا نزيد ما ذكره ذلك الإمام بقوله :
وجوّز بعض السلف الوصية للوارث نفسه بأن يخصّ بها من يراه أحوج من الورثة كأن يكون بعضهم غنياً والبعض الآخر فقيراً. مثال ذلك أن يطلّق أبوه أُمّه وهو غنيّ ، ولا عائل لها إلاّ ولدها ، ويرى أنّ ما يصيبها من التركة لا يكفيها ، ومثله أن يكون بعض ولده أو إخوته ـ إن لم يكن له ولد ـ عاجزاً عن الكسب فنحن نرى أنّ الحكيم الخبير اللطيف بعباده ، الذي وضع الشريعة والأحكام لمصلحة خلقه ، لا يحكم أن يساوي الغني الفقير. والقادر على الكسب من يعجزه عنه ، فإذا كان قد وضع أحكام المواريث العادلة على أساس التساوي بين الطبقات باعتبار أنّهم سواسية في الحاجة كما أنّهم سواء في القرابة ، فلا غرو أن يجعل أمر الوصيّة مقدّماً على أمر الإرث ... ويجعل الوالدين والأقربين في آية أُخرى أولى بالوصيّة لهم من غيرهم لعلمه سبحانه وتعالى بما يكون من التفاوت بينهم في الحاجة أحياناً ، فقد قال في آيات الإرث في سورة النساء : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي